الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسوغات سؤال الطلاق أو الخلع

السؤال

جزاكم الله خيرا على تقدمه لنا من تسهيل في فهم أمورنا الدينية، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
لي ابنة عم تزوجت من رجل ليس من أقربائها، الظاهر من أمره إنه متفهم وذو خلق، ولكن المعاملة الحقيقة أظهرت غير ذلك، كل ما يحدث أمامه من أمور عند بيت أهلها وأقربائها لا يعلق إلا بكلام غير الذي يقوله بينه وبينها، حتى مع أهله طريقته بالكلام مختلفة عما يكون عند أهلها، وحتى يخرج من عمله الروتيني الوظيفي استقال من وظيفته؛ لأن الدخل محدود، وأخذ يعمل باستئجار الأراضي الزراعية، وكل مشاريعه باءت بالفشل، فالدَّين أحاطه من كل الجوانب حتى سجن عدة مرات، زوجته عملت المستحيل حتى يقف على رجليه مرة ثانية، عملت خارج منزلها، لم تقصر في شيء، وأهلها حضنوها هي وأولادها، وساعدوها بالمال، ولكن لم ينفع ذلك، لم يخرج من ورطته أبدا، ومرت السنوات وتحتدم العلاقة الزوجية بينهما، وأكثر ما يؤلمها عدم احترامه لها، ابنها وابنتها يرون ما يحدث، وأصبحوا في جدل يومي دفاعا عن أمهم، وما تقدمه له ولهم، تبيع ما ورثته وتنفق على أولادها وبيتها، أصبحت كل يوم في مشكلة، يخلق المشكلة خلقا، تغضب وتنام في غرفة ثانية، لا تتكلم معه يوما يومين، ولا حياة لمن تنادي. ابنها ابتعد عن المنزل بسبب دراسته الجامعية، وهذا ما خفف عنها؛ لأن العلاقة بين الأب والابن في توتر دائم، وتخاف أن يقع ابنها في العقوق. علمت إن غضبها وعدم التكلم معه أحيانا تأثم عليه أصبحت في تخبط لا يطاق حتى قررت أن تذهب إلى بيت أهلها، وتطلب الخلع، وليست المرة الأولى التي تترك بيتها، ولكن هذه المرة أحست أنها أصبحت في العقد الخامس، فلا يحتمل جسمها نفسيا وجسديا هذا النزاع الروحي والمعنوي هي في دوامة من التجاذبات النفسية، فبيت أهلها بيت العائلة، فعلى الرغم من وفاة أمها وأبيها، ولكن بعض أخواتها متمدنات بالرغم من تقدمهن بالعمر (متزوجات)وهي لا تتوافق مع أفكارهن المتمدنة، وهي ملتزمة بفضل الله تعالى، فقد كان زوجها يصفق لهن بحضورهن ويمدحهن، وعندما يخلو بزوجته يسبهن ويغتابهن بأبشع الألفاظ، ويفتعل المشاكل بسببهن، ولها أخت لم تتزوج معاقة ذهنياً. إخوتها الشباب البعض معاملة رسمية، والبعض الآخر يحنو عليها؛ كأنها ابنته ويساعدها مادياً ومعنوياً.
السؤال الذي أريد طرحه: أنا أرى ما تشعر به، وتسر لي. هل إذا نصحتها بطلب الخلع (لأنها أصبحت مترددة بعد مجيئها) وأنا أعلم بكل ما كان يجري بينها وبين زوجها. هي أخبرتنا عند لجوئها إلى بيت أهلها، ونعرف المشاكل السابقة التي تتكدس سنة بعد سنة، مدة خمس وعشرين سنة، هو يعمل، ولكن لا تعرف يقيناً ما يفعل بالمال، تعرف أنه لا يوفي ديونه. لم أذكر أهله لأنهم لم يساعدوها حتى في أوج حاجتها إلى المساعدة -عند دخول زوجها للسجن وخروجه عدة مرات- لم يساعدوها، بل يلومونها أنها هي السبب في ما أصابه...

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فينبغي عليك أن تنصحي ابنة عمّك بما فيه صلاحها، فالدين النصيحة، والمستشار مؤتمن، والأصل أنّ المرأة منهية عن سؤال الطلاق أو الخلع إلا عند سوء العشرة بين الزوجين، أو بغض الزوجة لزوجها؛ بحيث لا تقدر على القيام بحقّه، فيجوز لها طلب الخلع حينئذ. قال ابن قدامة –رحمه الله-: وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها، لخلقه، أو خلقه، أو دينه، أو كبره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه؛ لقول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229]. اهـ
وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله-: فكونها تطلب الطلاق من غير علّة شرعيّة، لا يجوز، الواجب عليها الصبر والاحتساب، وعدم طلب الطلاق، أما إذا كانت هناك علة لأنه يضربها ويؤذيها، أو لأنه يتظاهر بفسق وشرب المسكرات، أو لأنه لم تقع في قلبها محبة له، بل تبغضه كثيرًا ولا تستطيع الصبر، فلا بأس. اهـ من فتاوى نور على الدرب لابن باز.
وعليه؛ فينبغي عليك أن تنصحيها بالسعي في استصلاح زوجها، فإن صلح وعاشرها بالمعروف فهذا خير، وإلا فإنها توازن بين أضرار الطلاق أو الخلع، وبين أضرار بقائها معه، وتختار ما فيه أخفّ الضررين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني