الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة للمرأة التي تسيء أمّ زوجها معاملتها

السؤال

أعيش مع أهل زوجي منذ أربع سنوات، وقد آذتني أم زوجي، وحاربتني بكل الوسائل؛ فهي تكرهني بشدة -حسب قولها-، وتحرّض زوجي عليّ، وتسبني، وتسب أهلي، وتهينني كثيرًا، وتظن بي السوء، وتظلمني، وهي التي تأمر وتنهى، وتقول: إني يجب أن أسير وفق أوامرها هي وليس وفق أمر زوجي، فهي تتحكم في كل شيء، وتمنعني من الخروج مع زوجي لأي مكان، حتى للمستشفى، وليست لديّ أي خصوصية مع عائلتي الخاصة، وزاد الأمر سوءًا أن أولادها الشباب بدؤوا يسبونني، ويصفونني مع أمهم بأني غير متربية، وتربية شوارع.
كلما صبرت وسكت، وحبست نفسي في غرفتي تجنبًا للمشاكل، زادوا في إيذائي، وهي تمنعني من الذهاب لبيت أهلي، وتتمنى من زوجي أن يتزوج عليّ، أو يطلقني. ضغطت على نفسي بقوة كي أتحمل من أجل أطفالي، فلديّ طفلان، وحامل بالثالث. وكلما طلبت من زوجي توفير سكن مستقل لعائلتنا، يعدني بذلك، وبعدها يخلف ويرفض، ويقول: إنه لن يترك السكن مع أمّه.
زادت الأمور سوءًا، وضربتني أمّ زوجي، ودفعتني بقوة وأنا حامل، وهي تجيعنا بشدة أنا وأطفالي، ولا تسمح لنا بأخذ ولو خبز لسد جوعنا.
ضاقت عليّ الدنيا، ولم أعد أحتمل، وتجاوزت عليّ كثيرًا بالسب؛ فرددت على كلامها، وضربني زوجي؛ فاستخرت رب العالمين في بقائي، ودعوته، ثم قررت الخروج من المنزل، وعدم العودة إليهم أبدًا؛ لأن نفسيتي دُمّرت، وأعصابي تعبت بشدة، وأنا في شهري السابع، وأحسست أني سأموت من الحزن والبكاء الذي لا يفارق أيامي، وصبري عليهم وصل أقصاه، وزوجي لا يدافع عني، ولم أعد آمن على نفسي عندهم، خصوصًا أن حماي حاول ضربي أيضًا، وكان زوجي خارجًا، فوقفت أم زوجي على باب المنزل، ولم تسمح بخروجي إلا بعد أن يأتي زوجي ويطلقني، ودفعتني بقوة؛ فاتصلت بالشرطة، وأتوا وأخرجوني من المنزل، وهي تقول: إن الخروج حرام عليّ دون إذن زوجي.
وبعد أن خرجت أرسل زوجي رسالة لي قبل وصوله للمنزل قائلًا: إذا خرجت من المنزل؛ فأنت طالق، ولم أنتبه لكلمته إلا في وقت متأخر.
وسؤالي هو: هل حرام عليّ حقًّا الخروج دون إذن زوجي في هذه الحالة؛ لأني خرجت لأنقذ نفسي وأطفالي من ظلم أهل زوجي، وللمطالبة بحق السكن في المحكمة؟ وهل أعتبر مطلقة الآن أم لا؟ فقد مضت ثلاثة أسابيع على خروجي، ولم يتصل بي، مع العلم أني لم أخرج يومًا دون إذن زوجي، وأحاول جاهدة أن أعطيه حقوقه التي عليّ، وأن أطيعه قدر استطاعتي، وهو يقول لي: إني لم أقصر معه.
وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحدوث المشاكل بين الزوجة وأمّ الزوج، مما يكثر في المجتمعات، وتختلف الأسباب في ذلك، ولكن أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الإيذاء، والتسلط، فهذا أمر غريب. ولا شك في أن هذا من البلاء العظيم، فينبغي أن تتسلي بالصبر، فعاقبة الصبر خير، وانظري الفتوى: 18103، ففيها بيان فضل الصبر.

ونوصيك أيضًا بالدعاء بأن يصلح ما بينك وبينها، وأن يرد عنك كيدها.

ومن الأدعية التي تناسب هذا المقام دعاء المكروب، وهو في الحديث الذي أخرجه البخاري، ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب، يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم.

وروى أحمد، وأبو داود عن نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.

ومن حقك على زوجك أن يوفر لك مسكنًا مستقلًّا، ولو عن طريق الأجرة، فلا يلزمك شرعًا السكنى مع أقاربه، كما هو مبين في الفتوى: 34802، والفتوى: 66191.

وغالبًا ما يكون سكنى الزوجة مع أهل الزوج في مسكن واحد، سببًا في وجود مثل هذه المشاكل، فينبغي أن ينتبه الأزواج لذلك.

وقد يكون الأولى أن يكون السكن بعيدًا عن أهل الزوج.

وصحيح ما ذكر من أنه لا يجوز خروج المرأة من بيتها بغير إذنه، هذا هو الأصل، ولكن هذا حيث لم يكن لها عذر في ذلك.

وأما مع وجود العذر، فلا حرج في ذلك، وتجدين هذا موضحًا في الفتوى: 136039.

وبخصوص قول زوجك لك: "إذا خرجت من المنزل، فأنت طالق"، فإن كنت لم تعلمي بهذا الطلاق المعلّق إلا بعد الخروج، ولو كنت علمت به قبل ذلك لم تخرجي، فلا يقع الطلاق عند فقهاء الشافعية، وأوضحنا كلامهم في هذا في الفتوى: 211630، فراجعيها.

وننصح بتوسيط العقلاء، والسعي في الإصلاح، واتخاذ الاحتياطات التي تحول دون تجدد مثل هذه المشاكل؛ لتستقر الأسرة، خاصة وأن الله تبارك وتعالى قد رزقكما الأولاد، فقد يتضررون بافتراقكما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني