الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شراء الإضافات الزائدة في الألعاب

السؤال

توجد لعبة منتشرة تدعى: "فورت نايت"، وينتشر بين لاعبيها شراء ملابس في اللعبة، أو ما يطلق عليها سكنات، وهي لا تفيدهم شيئًا، ويدفعون أموالًا طائلة، أليس هذا تبذيرًا للمال؟ وأرجو ذكر دليل؛ لكي أثبت لأصدقائي أن ما يفعلونه خطأ، فقد نصحتهم كثيرًا، ولكنهم لا يصدقوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا علم لنا باللعبة التي سميتها، لكننا بينا ضوابط ما يحل من الألعاب الإلكترونية، وما يحرم في الفتوى: 121526.

وأما شراء الإضافات الزائدة في الألعاب، فهو مباح في الأصل، إذا كانت الإضافات فيها نفع للاعب، وكانت اللعبة نفسها مباحة، وانظر الفتويين: 349165، 392272.

وأما ما يتعلق بالتبذير والإسراف في إنفاق المال فيما هو مباح في الأصل -من الألعاب، أو غيرها-:

فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس يسارًا وفقرًا، فلا يمكن إطلاق القول بأن من الإسراف في حق كل أحد، إنفاق مبلغ معين في غرض مباح في الأصل، بل المرجع في كون ذلك إسرافًا هو إلى حال الشخص المنفِق، كما بيناه في الفتوى: 340846.

وأما إن كان شراء الإضافات محرمًا، فإن إنفاق المال فيه، من التبذير المحرم -بقطع النظر كون الأموال المدفوعة قليلة أو كثيرة-.

وعلى كل حال؛ فإنه ينبغي أن توصي أصحابك بالحرص على استغلال الأوقات فيما ينفع، والحذر من أن يكون المرء صريعًا لأجهزة اللهو واللعب، تبدّد عليه زمنه، فإن المرء مسؤول عن وقته بين يدي الله يوم القيامة، كما في الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه .. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وإضاعة الأوقات لون من ألوان العقوبة الإلهية للعبد، قال ابن القيم -في ذكر عقوبات الذنوب- في الفوائد: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء، الذين يفسدون القلب، ويضيعون الوقت، وطول الهمّ والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية، والغفلة عن ذكر الله؛ كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار. اهـ.

وإضاعة الوقت من أشد قطاع الطريق إلى الله، والدار الآخرة، قال ابن القيم في الفوائد: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا، وأهلها. اهـ.

وقال أيضًا في الفوائد: عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها: علم لا يعمل به، وعمل لا إخلاص فيه، ولا اقتداء، ومال لا ينفق منه، فلا يستمتع به جامعه في الدنيا، ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، وبدن معطل من طاعته، وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب، وامتثال أوامره، ووقت معطل عن استدراك فارطه، أو اغتنام برٍّ وقربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله، ولا تعود عليك بصلاح دنياك، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله، وهو أسير في قبضته، ولا يملك لنفسه حذرًا، ولا نفعًا، ولا موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا.

وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان، هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب، وإضاعة الوقت:

فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتّباع الهوى، وطول الأمل، والصلاح كله في اتّباع الهدى، والاستعداد للقاء الله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني