الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف عليها زوجها بالطلاق ألا تذهب للعمل فظنته يقصد اليوم التالي فذهبت

السؤال

زوجي حلف عليّ بالطلاق ألا أذهب إلى العمل، ولم أذهب للعمل يومين، وبعد ذلك ذهبت لمدة يومين، وهو لا يعرف أني ذهبت إلى العمل، وبعد ذلك قعدت مرة أخرى، وقد كنت أظن أنه يقصد عدم ذهابي في اليوم التالي فقط، وهذه طلقتي الثالثة، فهل وقعت الطلقة أم لا؟
أما الطلقتين الأوليين: فالأولى: حلف بالطلاق لو أذن للمغرب ولم أضع أكلًا على السفرة، فسأكون طالقًا، ولم أضع الطعام.
والثانية قلت له: طلّقني، فقال لي: أنت طالق، وبعد أسبوع من الطلقتين، جاء ليردّني، ودفع مبلغًا ماليًّا في المسجد، وكان إمام المسجد قد قال له أن يدفع كفارة، فما هو وضعي الآن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أمابعد،

فالمرة التي قلت فيها لزوجك: طلقني، فقال لك: أنت طالق، فهذا من صريح الطلاق، فتقع به الطلقة، وراجعي الفتوى: 126950.

وبخصوص الحالة التي علّق فيها الطلاق على عدم وضعك الطعام على السفرة قبل أذان المغرب، والحال أنك لم تفعلي، فالطلاق واقع في قول جمهور الفقهاء، ولو لم يقصد إيقاعه. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وقوع الطلاق إن قصد الزوج مجرد التهديد، ولم يقصد الطلاق، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 206656.

وبالنسبة للحالة التي حلف فيها زوجك بالطلاق أن لا تذهبي للعمل، فالحلف بالطلاق، له حكم الطلاق المعلق، وينطبق عليه ما ذكرناه آنفًا من الخلاف فيه بين الجمهور وابن تيمية، ولمزيد من البيان، يمكن مطالعة الفتوى: 11592.

ولكن إن كان الواقع ما ذكرت، أنك ظننت أن النهي متعلق باليوم التالي، فذهبت فيما بعد اليومين التاليين للحلف، وكنت مهتمة لأمر هذه اليمين، ولولا ذلك الظن ما خالفت يمين زوجك، فإن الحنث لا يحصل بذلك عند بعض العلماء، ومن ثم؛ فلا يترتب على هذا الحلف شيء، وراجعي الفتوى: 149707.

وإن كان الشيخ الذي استفتاه زوجك معروفًا بالإفتاء، وأفتاه بما ذهب إليه ابن تيمية من وجوب كفارة اليمين في الحلف بالطلاق، أو تعليقه؛ فعمل بفتواه، فلا حرج عليه في ذلك، قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه، ويحتاج إليه: أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.

بقي أن نبين هنا أن جمهور الفقهاء على أنه لا يجزئ إخراج القيمة في كفارة اليمين، أي: أنه يلزم ما جاء به الشرع من الإطعام، أو الكسوة، وانظري الفتوى: 138161، والفتوى:6372.

وننبه إلى أنه يجوز بعد الطلقة الأولى، أو الثانية، أن يرجع الزوج زوجته إلى عصمته، من غير عقد جديد، إن كانت لا تزال في العدة.

فإن انقضت العدة، لم يجز له رجعتها إلا بعقد جديد، وقد أوضحنا في الفتوى: 30332 أنواع الطلاق.

وننبه أيضًا الزوجين إلى أن يكون بينهما الود، والاحترام، وأداء كل منهما حقوقه للآخر، فإن هذا يعين على استقرار الأسرة، وخلوها من المشاكل.

ثم إنه على تقدير حصول مشكلة، فينبغي التروي، وتحري الحكمة، وعدم اللجوء إلى الطلاق لحلّ المشكلة.

وعلى الزوج أن يجتنب الحلف بالطلاق؛ فإنه يمين الفسّاق، وقد يترتب عليه الندامة، ولتراجع لمزيد الفائدة، الفتوى: 65881.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني