الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصد غير الله بالعبادة

السؤال

هل يكفر كفرًا أكبر من يترك المعصية؛ ليرضي غير الله، دون نية رضا الله؟ مثل أن تترك نشر صورها على مواقع التواصل؛ لترضي حبيبها، دون نية رضا الله، فأنا كثيرًا ما أفعل المعاصي في حياتي، وإذا قال لي أحد عزيز عليّ: افعلي هذا (وهو طاعة)، أو اتركي هذا (وهو معصية) مثلًا، فإني أترك ذلك؛ حتى لا يغضب مني، وحتى أرضيه، فهل هذا كفر أكبر؟ وهل يكفر من يفعل الطاعة لرضا غير الله أيضًا، دون نية رضا الله؟ كمن يصلي ليرضي أباه، دون نية رضا الله، وكيف أتوب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه الصورة من الرياء، التي لا يحمل صاحبها على العمل فيها إلا مراءاة الناس، وتحصيل رضاهم، أو نفعهم، من الصور المشكلة، سواء في إمكانية صدورها من مؤمن، أم في حكم فاعلها، وقد سبق لنا التعرض لها في الفتوى: 348361، وهي في الحقيقة محل خلاف ونظر، ومن أيسر ما يمكن نقله فيها كلام الدكتور عبد الله الجبرين في كتابه: (تسهيل العقيدة الإسلامية)، حيث قال: من أراد وجه الله، والرياء معًا، فقد أشرك مع الله غيره في هذه العبادة، أما لو عمل العبادة، وليس له مقصد في فعلها أصلًا سوى مدح الناس، فهذا صاحبه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم: إنه قد وقع في النفاق، والشرك المخرج من الملة. اهـ.

ثم قال في هامش الكتاب: قال ابن نجيم في الأشباه ص 39: "في الينابيع: قال إبراهيم بن يوسف: لو صلى رياء، فلا أجر له، وعليه الوزر. وقال بعضهم: يكفر. وقال بعضهم: لا أجر له، ولا وزر عليه، وهو كأنه لم يصلّ.

وقال الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول "2/493": إن كان الباعث على العمل، هو إرادة غير الله عز وجل، فذلك النفاق الأكبر، سواء في ذلك من يريد به جاهًا، ورئاسة، وطلب دنيا، ومن يريد حقن دمه، وعصمة ماله، وغير ذلك...

وبعض العلماء -كالغزالي، وابن رجب، والهيتمي- لا يجعل الرياء المحض في العبادات مكفّرًا، وهو ظاهر كلام كثير من أهل العلم، ولعله الأقرب، ومثله من أراد بعبادته الدنيا وحدها؛ لأنه لم يخضع، ولم يتذلل في ذلك لأحد، ولم يعظمه، وإنما أراد تحقيق ما تهواه نفسه من المدح، ونحوه من الحظوظ العاجلة.

وقد حكى أبو البقاء في الكليات "مادة: شرك" الإجماع على أن العمل لغير الله معصية من غير كفر.

وبالجملة؛ فإن المسألة خطيرة؛ لكونه قصد بالعبادة غير وجه الله ...

أما الرياء بأصل الإيمان، أو إظهار بعض العبادات الأخرى رياءً مع إبطان الكفر، فهذا من الشرك الأكبر، والنفاق الأكبر. اهـ.

وعلى أية حال؛ فالتوبة تجُبُّ ما قبلها، فأيًّا كان حكم هذا النوع من الرياء، فلو تاب صاحبه منه، تاب الله عليه، وذلك يكون بالاستغفار، والندم على إرادة غير وجه الله تعالى بالأعمال الصالحة، ثم بالاجتهاد في مراقبة الله تعالى، وتحصيل الإخلاص لوجهه تعالى حالًا ومآلًا. وللفائدة عن حقيقة الإخلاص وبواعثه وثمراته، وحقيقة الرياء وأنواعه وآثاره وكيفية علاجه، يمكن الاطلاع على الفتاوى: 10396، 134994، 10992، 13997، 49482.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني