الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال لصديقه دون قصد: "أنت ابن زانية"

السؤال

كنت أنا وصديقي نلعب كرة قدم، فتعاركنا، فقال عن نفسه: أنا لست ابن زانية، فقلت له: لا، بل أنت ابن ...، وخرجت مني الكلمة غصبًا عني، ولم يكن في نيتي شيء، فهل هذا يعد من رمي المحصنات؟ أتمنى الرد؛ لأني خائف جدًّا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تلفظت بهذه الكلمة القبيحة، التي هي صريحة في الرمي بالزنى، بغير إرادة منك، ولكن زلّ لسانك؛ فهذا معفو عنه فيما بينك وبين الله.

وأمّا إن كنت تقصد أنّك تلفظت بها من غير أن تقصد معنى القذف؛ فهذا ليس عذرًا، ولا يعفيك من تبعة هذه الكلمة في الدنيا، والآخرة، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. رواه البخاري.

وقذف المحصنات، من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ.

ويجب الحد على القاذف، إذا طالب المقذوف، أو وليه، إذا كان ميتًا، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن قذفت أمه، وهي ميتة، مسلمة كانت أو كافرة، حرة أو أمة، حد القاذف، إذا طالب الابن، وكان حرًّا مسلمًا. أما إذا قذفت وهي في الحياة، فليس لولدها المطالبة؛ لأن الحق لها. انتهى.

والظاهر لنا أنّ هذا القول منك قذف صريح لأمّ صاحبك؛ فتجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، مع استحلال صاحب الحق من حقه.

فإن كانت أمّ صاحبك حية، وقد علمت بالقذف، فعليك استحلالها من القذف.

وأما إذا كانت أمّه ميتة، أو كانت حية، ولم تعلم بقذفك لها؛ فيكفي أن تكذب نفسك أمام صاحبك، قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: ولذلك كان الصحيح من القولين أن توبة القاذف إكذابه نفسه. انتهى. وراجع الفتوى: 111563.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني