الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السكن المستقل من حقوق الزوجة

السؤال

أنا متزوجة منذ ست سنوات من رجل يكبرني بأربع وعشرين سنة. حاليا أبلغ من العمر ثلاثين سنة، وهو يبلغ أربعا وخمسين سنة. أنجبنا طفلا يبلغ حاليا خمس سنوات، هو مطلق، وعنده ثلاثة أولاد من عمري تقريبا.
هو مقيم بكندا مع أولاده، وكان عنده مشاكل في أوراق الطلاق من زوجته الأولى، كانت السبب في تأخير تأشيرة الالتحاق به، وانتظرته ببلدي إلى حين تيسرت الأمور قبل خمسة أشهر فقط. وقد جلست ست سنوات انتظار، صبرت فيها، وحفظت فيها غيبته على أمل تيسير الأمور في يوم من الأيام. وعند الخطبة أتى وحده بحكم أنه أجنبي، وأهله يسكنون بلدا آخر.
تحديت أهلي، وخصوصا والدي للزواج منه، وتم الاتفاق بيننا أني لن أسكن في نفس البيت مع أولاده (أصغرهم يبلغ 19 سنة)، ووافق،
تيسرت الأمور وحصلت التأشيرة، وسافرت أنا وطفلنا لبيته، قال إن ظروفه قد تغيرت، ولم يعد بإمكانه أن يوفر لي سكنا مستقلا، تعرضت لكثير من الإهانات من طرف أولاده، وسكتُّ عن بعضها؛ لكي لا أكون زوجة الأب التي تفرق الأولاد عن والدهم، يضربون ابني، ويشكون منه، ليست لدي أية خصوصية داخل منزلي، وكنت طوال الوقت أحس أني ضيفة وعبء. حاولت أتعامل مع الموضوع، وأفرض وجودي، لكن كنت دائما أتلقى الانتقاد واللوم، وكان دائما يضعني في مستوى أقل منهم، ويلومني، وإذا حصل مشكل وغضبوا مني يغضب هو أيضا.
عشت خمسة شهور كأنها خمس سنوات، هو إنسان طيب وخلوق، وليس لي معه أية مشاكل، غير المطالبة بمكان خاص، يحفظ كرامتي كزوجة، وكإنسانة فقط.
منزله كبير، طلبت منه أن أنزل إلى الطابق السفلي الذي يتكون من غرفتين ومطبخ و حمام، وأولاده يسكنون باقي البيت؛ لكي أحفظ خصوصيتي، ولكي أحافظ على ابني. علما أن أولاده في بعض الأيام يتركون الباب مفتوحا للفجر، والأصدقاء يدخلون ويخرجون، فأكون حينها مضطرة للسهر طوال الليل لمراقبة ابني؛ خوفا عليه من أن يستيقظ وأنا نائمة، ويخرج من المنزل.
في إحدى المرات ذهبت إلى المطبخ فوجدت قريبة زوجته الأولى داخل المطبخ تبحث داخل الخزانات.
الآن هو بعثني لبيت أهلي؛ لكي أفكر: إما قبول الوضع كما هو والسكوت، أو الطلاق.
وصلت لمفترق الطرق، وأود استشارة. هل أنا مذنبة في طلبي لمكان خاص؟ أنا متزوجة من ست سنوات صحيح، لكني أول مرة أقضي خمسة شهور متتالية مع زوجي؟ أليس من حقي أن يكون عندي منزلي الخاص؟ أنا طلبت فقط مكانا من المنزل يحفظ كرامتي.
الله يجزيكم الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن حقك على زوجك أن تكوني في مسكن مستقل، تكونين فيه بعيدا عن الحرج، ولا يشركك فيه أي من أقاربه. ويجب عليه توفيره لك؛ خاصة وأن المسكن واسع بحيث يمكنه أن يجعلك في جزء مستقل منه. ومن الغريب أن يصر عليك أن ترضي بهذا الوضع غير المناسب. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 34802.

وإن كان أولاده يؤذونك ويسيئون إليك، فهذا إثم مبين، ومسلك منهم قبيح، يجب إنكاره عليهم، وعلى زوجك أن يدفع عنك أذاهم، فقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه. أي تمنعه من الظلم. وإذا كان هذا في حق عامة المسلمين، فالزوجة أولى، فهي أمانة عند زوجها.

والطلاق له آثاره المدمرة للأسرة المسلمة في الغالب، وخاصة عند وجود الولد، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأصل فيه الحظر. ولذلك ندعو إلى التريث وعدم التعجل إليه، ونحث على التفاهم، والحرص على المحافظة على كيان الأسرة، ولو بالتغاضي عن بعض الحقوق والرضى بالمسكن المتاح، والصبر على ما يمكن تحمله من أهل بيت زوجك. فإن تم الوفاق وزال الشقاق، فالحمد لله.

وإلا، فقد يكون الفراق أفضل، ولعل الله تعالى يقدر لكل منكما خيرا، قال سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني