الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقصير الوالد في حق أبنائه لا يبيح لهم هجره وإساءة معاملته

السؤال

أنا شاب أبلغ 17 عامًا من الجيزة، والدي تركنا عندما كنت في السابعة من عمري، بعد خلاف ومشاكل واسعة في المنزل، أصوات مرتفعة من جانبه، إهانة لوالدتي منذ أول أيام الزواج، بخل غير عادي، سوء معاملة، قسوة قلب، جحود وتكبر، وغيرها من الأمور.
قام الوالد بالذهاب إلى إخوته، وبات معهم ليلتين، قمنا فيهما بإغلاق باب المنزل؛ ليعرف أن الله حق، فقام صباح اليوم التالي بإحضار "البوليس" إلى باب المنزل، والتشهير والسب لوالدتي وأبيها، والادعاء بما لم يكن.
طوال تلك الأعوام لم يكن يسأل عن أحوالنا، كيف نعيش؟ كيف نأكل؟ كيف ندرس ونتعلم؟ كيف أم وحدها تقوم بتربية ثلاثة أولاد؟ أيعقل المال الذي نأخذه منك -وفقا للمحكمة- هو الذي يعيننا على العيش طوال تلك الأعوام؟ كلا وألف كلا، إنها بركة الله.
بدأ يتذكرنا "منذ عامين أو ثلاثة" وبدأ يحاول الوصول إلينا بشتى الطرق؛ اتصالات هاتفية من أرقام عدة، محاولة المجيء للمنزل، ولكن دون فائدة؛ لأننا لم نسمح له بدخول المنزل، الاستعانة بأحد الشيوخ، الاستعانة بإخوته سبب المشاكل والخلافات (قاموا بعمل أعمال وأسحار لأمي انتقامًا منها، ولكن الله قدير على أن يقلبها عليهم)
قام بالحديث مع والد أمي، لكنه رفض تمامًا أخذًا لرأينا، نحن رافضون أي محاولة معه، كان يقول عنا في السنوات الأخيرة إنهم لا يعرفون الله. الأم تحرم الأبناء من أبيهم. إذًا كيف وأنت لا تسأل عنا إلا بعد فوات الأوان. ماذا تريد؟ نحن نعامل الله في كل شيء، ولذلك توجهت إليكم بهذا السؤال الذي راودني منذ أيام.
السؤال فضيلة المُفتي: ماذا نفعل؟ يقول علينا هذا عقوق الأبناء للآباء. إذًا فأين عقوق الآباء للأبناء؟؟!
أين فترة الطفولة التي حرمتنا إياها؟ "وجعل بينكم مودة ورحمة" أين هي مع والدتي؟ اللسان قد يعجز عن القول، ولكنها لم تعش يومًا جميلًا معه.
أعتذر فضيلة الشيخ عن الإطالة، ولكن أريد رأيك كاملًا في هذه القضية. أنتواصل معه؟ أم نتركه إلى الله؟ أم ندعو الله له بالهداية؟
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يوفقك إلى أحسن وأنفع القول. اللهم نسألك أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان والدك قد أساء إلى أمّكم، وأساء إليكم، وقصّر في حقّكم، فهو ظالم، لكنّ ذلك لا يبيح لكم هجره، ومنعه من دخول بيته، فكلّ ذلك عقوق محرم، وهو من كبائر الذنوب، فحقّ الوالد على ولده عظيم، وبرّه ومصاحبته بالمعروف واجبة مهما كان حاله.

فإن الله قد أمر الولد بمصاحبة والديه بالمعروف، ولو كانا مشركين، يأمرانه بالشرك، قال الشيخ ابن باز –رحمه الله-: ...لا يهجر الوالدين، بل يزور الوالدين، ويعتني بالوالدين، وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه العظيم في حق الوالدين: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، أمره أن يصحبهما في الدنيا بالمعروف، وإن جاهداه على الشرك يدعو الله أن يهديهما بأسبابه؛ لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات، فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك، معلن بالشرك، مع ذلك اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأن عظيم، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف بنصيحتهما وتوجيههما للخير، ويستعين على ذلك بمن يتيسر من أخوال أو إخوان أو أعمام. انتهى من فتاوى نور على الدرب.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : نحن أربعة إخوة، قد هدانا الله على يد أخي الأكبر، ولكنَّ أبي يسبُّنا ويلعننا، وقد تحملناه، وصبرنا على إيذائه لنا أربع سنوات، مع العلم أنه يوالي بعض الناس الذين يعينونه على المعاصي، ولا يحافظ على الصلاة، بل أحيانا يتركها بالمرة، وفي النهاية تركنا البيت، وهجرناه. فهل نأثم في ذلك؟ مع العلم أننا نصلُ أمَّنا.
فأجاب -رحمه الله-: الواجب عليكم أن تسألوا الله الهداية لأبيكم، وأن تناصحوه دائما، ولا يحل لكم أن تهجروه، ولا أن تعقُّوه؛ لأن الله تعالى قال: ( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/ 14،15 ، فهذه الصورة التي ذكرها الله عز وجل يبذلان الجهد في ولدهما أن يشرك بالله، ومع ذلك يقول الله -عز وجل- ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )، فعليك أن تبرَّ والديك، وربما يكون برُّك لهما سببا في صلاحهما.. انتهى من "اللقاء الشهري"
فالواجب عليكم المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى، والاعتذار إلى الوالد مما وقعتم فيه من العقوق والجفاء، والحرص على برّه، والإحسان إليه؛ ابتغاء رضوان الله تعالى، ولا يمنع ذلك من أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، برفق وأدب، وينبغي أن تسعوا إلى الصلح بينه وبين أمّكم إن أمكن ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني