الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

نحن ثلاثة أولاد: بنتان، وابن، وأختي الصغرى فقيرة، وأنا وأختي حالنا ميسورة، وأبي له شقة، وأمي لها شقة أكبر، ذات قيمة أعلى، وأبي يريد بيع الشقة التي يملكها لأختي الفقيرة؛ لأن مسكنها ضيق جدًّا، وغير مملوك لها، وبعد أن يتوفى الله أبي وأمي، آخذ أنا وأختي الأخرى الشقة المملوكة لأمّي، وليس لأختي ميراث فيها، حيث إنها أخذت الشقة الأولى، فما رأي الشرع؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن بيع والدك الشقة لابنته الفقيرة، لا يخلو من حالين:

أولهما: أن يكون البيع صوريًّا لا حقيقة، بحيث يكتب البيت باسمها، على أن تأخذه بعد وفاته، وهذا في الحقيقة ليس بيعًا، وإنما وصية، والوصية للوارث ممنوعة شرعًا، ولا تمضي إلا برضا بقية الورثة، وانظري الفتويين التاليتين: 121878، 170967.

وثانيهما: أن يبيع والدك الشقة بيعًا صوريًّا، ويسلّمها البيت في حياته، وهو في غير مرض مخوف، ولا تدفع فيه أختك الثمن، أو تدفع شيئًا يسيرًا، وهذه في الحقيقة تعدّ هبة مغلّفة في صورة بيع، وقد قدمنا في فتاوى كثيرة، كالفتاوى: 101286، 103527، 161261، أنه يجب على الوالد أن يعدل في هبته بين أولاده الذكور والإناث، وأنه لا يجوز له أن يفضّل بعضهم على بعض دون مسوّغ شرعي، فأما إن وجد مسوغ شرعي، كأن يكون أحدهم فقيرًا، فلا حرج في التفضيل، قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمَى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ .. اهــ.

فلا حرج على الأب أن يهب لابنته الفقيرة لحاجة الفقر دون بقية أولاده الميسورين.

وإذا وهبها والدها لمسوّغ شرعي -كما ذكرنا-، فإنه لا يجوز أن تُمنع تلك البنت بعد وفاة الوالدة من أخذ نصيبها الشرعي من شقة أمّها؛ بحجة أنها أخذت شقة أبيها؛ وذلك أنها أخذتها بهبة صحيحة، وهذا لا يُسقطُ حقها في الميراث من شقة أمّها.

وعلى الجميع أن يتقوا الله تعالى، وأن يتركوا الأمر يمضي على وفق مراد الله تعالى، والذي بينه له في شريعته، سواء فيما يتعلق بالهبة، أم الوصية، أم قسمة الميراث، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50}.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني