الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توكيل المسلم لغير المسلم في المعاملات المالية

السؤال

ما حكم توكيل المرءِ الكافرَ ببيع شيء، أو بإنشاء عقد السلم، وتوصيل المسلم فيه للمشتري، وأمثال ذلك من العقود، مع قبض الثمن، وحفظه حتى يؤتي الموكل نصيبَه، وفي كل هذا، الموكل لا يراقب أعمال الكافر، وكيفية تصرفه بالأموال، وإنما يوكله بالعمل، ثم يأتيه الوكيلُ الكافرُ بالربح المتوقع؟
وبخصوص الحالة المستفسر عنها، فالموكل يرسم السلعة، ويضع تفاصيلها، وسعرَها، والوكيل الكافر يعقد البيع مع المشتري، ويقبض الثمن، ثم الوكيل يدفع إلى شركة ما فتصنع السلعة، وتوصلها للمشتري، ثم يحفظ الوكيلُ الربحَ، وبعد شهر مثلًا من مثل هذه المعاملات، يؤتي الوكيلُ الموكلَ مجموع نصيبه من الربح، فالعقد الذي يعقده الوكيل مع المشتري يظهر أنه عقد السلم، والموكل لا يؤتي الوكيلَ شيئًا من ماله ابتداءً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن حيث المبدأ، فإن أهل العلم اختلفوا في حكم توكيل المسلم لغير المسلم في المعاملات المالية، كالبيع والشراء، فلم يُجوّزه الإمام مالك، حيث قال - كما في الجامع لمسائل المدونة -: ولا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانيًّا إلا للخدمة، فأما البيع، أو شراء، أو تقاض، أو ليبضع معه، فلا يجوز؛ لعملهم بالربا، واستحلالهم له. اهـ. وقال خليل في مختصره في باب الوكالة: ومنع ذمي في بيع، أو شراء، أو تقاض. اهـ.

قال الدردير في الشرح الكبير: (ومنع ذمي) أي: توكيله عن مسلم (في بيع، أو شراء، أو تقاض) للدين؛ لأنه لا يتحرى في ذلك، ولا يعرف شرط المعقود عليه من ثمن ومثمن. اهـ.

وقال في الشرح الصغير: (ومنع توكيل كافر) وهو أعم من الذمي (في بيع) لمسلم (أو شراء) له (أو تقاض) لدين، ونحوه، كغلة وقف، أو خراج على مسلم ... لأنه لا يتحرى الحلال، ولا يعرف شرط المعقود عليه من ثمن ومثمن. اهـ.

وأجاز غير المالكية توكيل الكافر في كل ما يصح تصرفه فيه، قال ابن قدامة في المغني: وإن وكل مسلم كافرًا فيما يصح تصرفه فيه، صح توكيله، سواء كان ذميًّا، أو مستأمنًا، أو حربيًّا، أو مرتدًّا؛ لأن العدالة غير مشترطة فيه، وكذلك الدين، كالبيع. اهـ. وقال أيضًا: كل من صح تصرفه في شيء بنفسه، وكان مما تدخله النيابة، صح أن يوكل فيه، رجلًا كان أو امرأة، حرًّا أو عبدًا، مسلمًا كان أو كافرًا. اهـ. وانظر الفتوى: 74346.

والذي يظهر لنا أن الموكل إن كان يقدر على ضبط المعاملة من الناحية الشرعية، وإلزام الوكيل بذلك، فلا حرج في توكيل غير المسلم؛ مراعاةً للعلة التي ذكرها المالكية، من عدم تحري غير المسلم لأمر الحلال والحرام، بل واستحلاله لذلك، وأنه لا يعرف شرط المعقود عليه من ثمن ومثمن.

ولذلك ينبغي أن يراعي قول السائل: (الموكل لا يراقب أعمال الكافر، وكيفية تصرفه بالأموال)، وأثره على إمكانية تعامل الوكيل بطريقة فاسدة شرعًا؛ وذلك بأن يعرف الموكل التكييف الشرعي للمعاملة التي يتعامل بها، وكيفية إجرائها على نحو صحيح شرعًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني