الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رفع الأب للقضاء لاسترجاع الحقوق

السؤال

أمي تسيء معاملتي، وتدعو عليَّ دائمًا، على الرغم من أني أعيش وحدي منذ أن كنت في أول إعدادي، تركتني وحدي، ولما كبرت، وسافرت، وأكرمني الله بالمال، وضعته تحت قدميها، حتى صرت لا أملك شيئًا، ووضعت كل أموالي، وأموال أختي، وكل ما نملك في يد أخيها وعائلتها الذين يكرهوننا منذ الصغر بعد طلاقها من والدي.
رفعت قضية بالمحكمة عليها، فالأموال تقدر بثلاثة أو أربعة ملايين جنيه، في يد إخوتها، ولم أتزوج بسببها حتى هذه اللحظة، سني 34 سنة، وكل ما أملك أعطيتها إياه أنا وأختي المعاقة؛ حتى نرضيها، ونرضي الله فيها، إلى درجة أنها سجنتني، بحجة أني أبيع أموالها، ولكنها أموالنا، ولما رفعت قضية، وحكم عليها لنا بخيانة الأمانة، تدعو عليَّ بالفقر وضيق الحال، وكانت السبب في بعد أبينا عنّا طوال 30 سنة. فهل أنا عاق لها؟ وهل أنا أذنبت في رفع قضية استرداد أموالي مع التعويض المباشر، والذي يبلغ قيمته مليون ونصف، وإن لم تدفع ستسجن، مع العلم بيتنا، وشقتنا، وأرضنا، وضعتهم في يد أخيها الذي قال لي: لن تنال مليما واحدا، على الرغم من أن هذه أموالي، وأموال أختي، وتعبي وعملي بغربتي خلال عشر سنين أو أكثر.
حياتي في اكتئاب نفسي، لا أعرف أصلي، ولا أنام، ولا أتابع عملي، ولا حتى أتزوج، ووالله ما أخطأت بحقها، على الرغم من أني وضعت لها كل أموالي في حسابها الشخصي، وكتبت أرضي وشقتي باسم أمي، وفي الأخير طردتني إلى الشارع، لأنام مع الغرباء فيه، الأمر الذي جعلني أفكر بالانتحار، ولكن كنت أنجو كل مرة، حتى إني صرت أدعو عليها بعدم الرحمة إذ أنها لم ترحمنا.
مع العلم أن مركز الشرطة، والمجلس العرفي أدبها بالكلام، وأصدر الحق بأن ترجع أموالنا، ولا تضع أموالنا بيد أخيها الطماع، الذي أغرته الأموال، والبيت، وقال لي: هذا ملكي. فهل أنا عاق لها، بعد رفع قضية خيانة الأمانة؟ وهل صلاتي مستجابة يقبلها الله، أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كنت وضعت أموالك عند أمك أمانة فقط، وليست تمليكًا منك لها، فمطالبتك إياها باسترجاع أموالك، ورفع هذا الأمر إلى القضاء بعد امتناعها من أدائه؛ ليس من العقوق المحرم، وليس مانعاً من قبول صلاتك وسائر أعمالك الصالحة.

قال الصنعاني –رحمه الله- في سبل السلام : ... وكذلك لو كان مثلاً على أبوين دين للولد، أو حق شرعي، فرافعه إلى الحاكم، فلا يكون ذلك عقوقاً. انتهى.

لكن عليك برها ومصاحبتها بالمعروف، مهما كان من شأنها، فحقّ الأمّ على ولدها عظيم، وقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك.

ولا يجوز لك الدعاء عليها وإن كانت ظالمة، قال الشيخ ابن باز –رحمه الله- حين سئل عن الدعاء على الأب الظالم: لا يجوز لك الدعاء عليه، ولكن تقولين: اللهم اهده، اللهم اكفنا شره...انتهى. وانظري الفتوى: 59562.

وإذا قمت بما عليك نحو أمّك، ثم دعت عليك بغير حقّ، فلا يستجاب دعاؤها عليك، قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوقٌ؛ أي: مخالفة أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالدُ مظلومًا، فيستجابُ دعاؤه.

وقال المناوي -رحمه الله- في شرح الجامع الصغير: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق. انتهى.

ومهما كان الظلم الواقع عليك، أو الشدة التي تلاقيها في حياتك، فكل هذا لا يسوّغ لك التهاون في الصلاة، فالصلاة أعظم أمور الدين بعد الإيمان بالله، ولا حظ في الإسلام لمن تركها، والمحافظة عليها والاعتناء بها مفتاح كل خير، وهي من أفضل العون على الشدائد والمصائب، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ. {البقرة: 45} قال السعدي –رحمه الله-: فبالصبر، وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه، معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني