الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجته لا تعفه ولا يستطيع الزواج بأخرى.. المشكلة.. والعلاج

السؤال

أنا شاب عمري 29 سنة، متزوج، ولدي ثلاثة أولاد. لكن زوجتي لا تشبع رغباتي الجنسية، وليست جميلة، وأنا أخاف أن أقع في الحرام، وأريد أن أتزوج بزوجة ثانية، لكن لا أستطيع الإنفاق على زوجتين معا. مع العلم أن زوجتي تحاول إرضائي، وهي بسيطة جدا، وتحبني.
لكن لدي قوة جنسية، وهي لا تكفيني، ولا تشبع رغباتي. أخاف أن أقع في الحرام وأريد الزواج، وأفكر في طلاقها. مع العلم أن هناك مشاكل بين أمي وزوجتي في الوقت الحاضر، وكل واحدة شتمت الأخرى.
أرجو إجابة مفصلة، مدعومة بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول أولا: إن أهل العلم ذكروا أن من كانت زوجته لا تعفه، ويخشى أن يقع في الزنا، أنه يجب عليه أن يتزوج من ثانية ليعف نفسه.

قال ابن قدامة في المغني: من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح. اهـ.

وهذا الكلام يشمل الأعزب والمتزوج.
ثانيا: قد ذكرت أنك قد رزقت من الزوجة الأولى ثلاثة أولاد، فطلاقك لها تكتنفه مخاطر؛ لأن الأولاد قد يتأثرون بفراق الأبوين فينعكس ذلك سلبا على حياتهم ونشأتهم، ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الأصل في الطلاق الحظر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.

قال ابن عابدين في حاشيته: الطلاق الأصل فيه الحظر، بمعنى: أنه محظور، إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص. فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا، وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة، وإخلاص الإيذاء بها، وبأهلها، وأولادها. ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر؛ ولهذا قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} [النساء:34]، أي: لا تطلبوا الفراق. اهـ.
ثالثا: ما ذكرناه في النقطة الثانية يقتضي التأني في أمر الطلاق، وأن تجتهد في المحافظة على أسرتك، فتصبر وتعمل على إعفاف نفسك بوسائل شرعية أخرى، ومنها الصوم، روى البخاري ومسلم عن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.

واحرص على هذا الدعاء النبوي: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى. رواه مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. واجتهد في أمر الذكر؛ فبه تهدأ النفس ويرتاح البال، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

فاحرص على هذه الوسائل وغيرها، حتى ييسر الله أمرك، ويفتح عليك أبواب رزقه، فتتمكن من الزواج من ثانية.

رابعا: إذا ضاق بك الحال، وخشيت على نفسك الوقوع في الفاحشة، وترجحت مصلحة فراق زوجتك الأولى لتتزوج من أخرى، فلا بأس بالمصير إليه، بل قد يكون واجبا. فالطلاق قد يكون الحل أحيانا، وبعده يغني الله كلا منهما بما يشاء سبحانه، فهو القائل: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}.

قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ، إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني