الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الوالدين ليست على إطلاقها

السؤال

تزوجت بامرأة، وكان من شروط الزواج أن آتي بشقة خارج البيت، ولكن في الاتفاق قالت والدتي أنا لست حماة، هذه شقتها تقعد وتنزل براحتها، وطبعا تزوجت، وحدثت كل المشاكل بسبب أن زوجتي تنزل كل يوم، وأمي تسيطر عليها فكريا، حتى أصبحت أمي تغضب لو لم تنزل زوجتي يوما ما. حدثت مشاكل كبيرة، وخصوصا بعد ولادة زوجتي، وقالت زوجتي إنها لا تطيق خدمة أهلي بسبب ضغط والدتي عليها، وكذلك شغل البيت والطفلة ورعايتها، والتقصير في حق بيتها وزوجها. ومع كل ذلك تعنتت أمي حتى أجبرتني على أن أذهب بزوجتي إلى بيت أبيها. وحدث تصالح بعد ذلك، والتوصل لحل أنها تنزل معي حينما آتي من العمل، تقريبا الساعة الخامسة مساء لخدمة أمي، لكن أمي رفضت كل هذه الحلول، ودائما تدعو عليَّ وعلى بيتي، وتجعل المشاكل بيني وبين زوجتي وإخوتي، وكذلك أبي يطيعها، ولا يقول لها اتقي الله، وأنا لا أستطيع أن آتي بشقة خارج البيت، وأمي تقول تحرم عليَّ، ولا تدخل عليَّ أنا ولا أبيك حتى تكون رجلا، وتقدر على امرأتك. لا أعرف ماذا أعمل. ولو كلمتها تدعو عليَّ، وخائف من قطيعتها، مع أنها هي التي قطعتني. فهل أكون بذلك عاقا؟ مع العلم أني بار بهما، ولا أقصر في حقهما، ومع كل ذلك تقول لي لازم امرأتك تنزل لي وأنت في الشغل. أنا قاعدة وحدي، وأريد أحدا يدخل عليَّ، وامرأتي مدركة أن المشاكل كلها تأتي بنزولها في عدم وجودي؛ حيث ضغط أمي عليها، وأمي تغضب عليَّ غضبا شديدا، وتدعو عليَّ كلما ناقشتها أن تعفو عن زوجتي، وأنا تحت قدميها، تقول لي امرأتك قبلك. لا أعرف ماذا أعمل. أفيدوني. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالواجب عليك معاشرة زوجتك بالمعروف، ومن حقّها عليك أن توفر لها مسكناً مستقلاً لا يشاركها فيه أحد من أهلك، ولا تتعرض فيه لضرر، ولا يلزمها خدمة أمّك أو غيرها من أهلك، إلا أن تتبرع بذلك بطيب نفس.
ولا طاعة لأمّك في ظلم زوجتك أو إساءة عشرتها؛ فالطاعة إنما تكون في المعروف.
ولا ريب في كون برّ الوالدين من أوجب الواجبات، ومن أفضل القربات، ولا سيما الأمّ، فإنّ حقّها عظيم، لكنّ برّ الوالدين لا يكون بظلم الزوجة، ولا طاعة للوالدين فيما يضر الولد في دينه أو دنياه، فعظم حقّ الوالدين على ولدهما لا يعني أن لهما الحقّ في التسلط على الولد، والتحكم في كل شئونه تعنتاً وإبطالاً لحقّه في الاختيار، وتجاهلاً لكونه رشيداً له شخصيته المستقلة. وراجع حدود طاعة الوالدين في الفتوى: 76303.

فالذي ننصحك به أن تسعى لتوفير مسكن مستقل لزوجتك خارج بيت أهلك، وإذا لم تقدر على ذلك فأسكنها في مسكنك في بيت أهلك، لكن لا تلزمها بالدخول على أمّك وخدمتها، وعاشرها بالمعروف، واحرص على أن تكون مستقلة في مسكنها لا تتعرض لأذى فيه.

ولست بما ذكرت في سؤالك عاقاً لأمّك، لكن عليك برّها وبرّ والدك بالمعروف، ولا يجوز لك قطعهما أو الإساءة إليهما، كما لا يجوز لك طاعتهما في إساءة عشرة زوجتك.

وإذا فعلت ما تقدر عليه من البرّ والإحسان إلى والديك، فلا يضرّك بعد ذلك غضب أمّك أو دعاؤها عليك، ما دام بغير حقّ، قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوقٌ؛ أي: مخالفة أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالدُ مظلومًا، فيستجابُ دعاؤه. انتهى.

وللفائدة راجع الفتوى: 66448.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني