الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من حلف أمام القاضي أنه سرقت منه لوحة سيارة ولكنه كذب في مكان سكنه

السؤال

حلفت أمام القاضي أنه قد سرقت مني لوحة سيارة، وقد حدث ذلك فعلًا، ولكنني قلت: إنني أسكن في منطقة أخرى غير التي أسكن فيها؛ لأن الإجراءات سوف تكون أصعب، وسوف يتم إرجاعي إلى دائرة اختصاص سكني، ومنطقة المحكمة قريبة من مكان عملي، وبعيدة عن مكان السكن.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الذي يمكن قوله هو: إن الأصل في الكذب أنه محرم شرعًا تحريمًا قطعيًّا، وحقيقته: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، قال النووي: قد تظاهرت نصوص الكتاب، والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب. وإجماع الأمة منعقد على تحريمه، مع النصوص المتظاهرة، واعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل، وإنما يأثم في العمد. اهـ. باختصار من الأذكار.

لكن إن كانت هناك مصلحة شرعية -كحفظ حق للشخص- لا يمكن التوصل إليها إلا بالكذب، فإنه يباح في هذه الحال، ما دام الكذب ليس فيه إضرار بالغير، جاء في الآداب الشرعية: ويحرم الكذب لغير إصلاح، وحرب، وزوجة، كذا قال في الرعاية.

قال ابن الجوزي: وضابطه: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح، إن كان ذلك المقصود مباحًا. وإن كان واجبًا، فهو واجب، وهو مراد الأصحاب، ومرادهم هنا: لغير حاجة وضرورة، فإنه يجب الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل.

ومهما أمكن المعاريض، حرم. وهو ظاهر كلام غير واحد، وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذن.

وظاهر كلام أبي الخطاب المذكور أنه يجوز، ولو أمكن المعاريض؛ تشبيهًا بالإنشاء من المعذور، كمن أكره على الطلاق، ولم يتأول بلا عذر، وفيه خلاف مذكور في موضعه. ومن دليله: أنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال، فتفوت الرخصة، فلعل هذا في معناه، وليس بالواضح، وجزم في رياض الصالحين بالقول الثاني.

ولو احتاج إلى اليمين في إنجاء معصوم من هلكة، وجب عليه أن يحلف، قال في المغني: لأن إنجاء المعصوم واجب، وقد تعين في اليمين، فيجب، وذكر خبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدو له، فحلف أنه أخوه، ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «صدقت، المسلم أخو المسلم».

وقال بعض أصحابنا المتأخرين في كتاب الهدي: أنه يجوز كذب الإنسان على نفسه، وغيره، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من المشركين، من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب. أما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب، ولا سيما تكميل الفرح، وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب، وكان الكذب سببًا في حصول المصلحة الراجحة. اهـ. باختصار.

وراجع الفتاوى: 48814، 124083، 138132.

وإن كنت تسأل عن كفارة اليمين: فلا تجب عليك الكفارة، ولو لم يكن لك رخصة تسوغ كذبتك تلك، فاليمين الغموس لا تجب فيها كفارة يمين، عند جماهير العلماء، قال ابن هبيرة: ثم اختلفوا في اليمين المغموس هل لها كفارة؟ فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها؛ لأنها أعظم من أن تكفر. وقال الشافعي، وأحمد في الرواية الأخرى: تكفر. واليمين المغموس هي: الحلف بالله على أمر ماض معتمد الكذب فيه. اهـ. من اختلاف الأئمة العلماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني