الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تصميم برامج لمن يستخدمها في الحلال والحرام

السؤال

أعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، وملخص عملنا: أننا نقوم بتنفيذ وتطوير برامج حاسوبية، أو مواقع إلكترونية، وغيرها، ونقوم بتجنب العمل لدى المؤسسات -كالبنوك، والتأمينات، وأي شركة يتضح لنا أنها تخالف الشريعة-، ولكن سؤالي عن المؤسسات التي قد تشمل أعمالها الشرعي، وما يخالف الشريعة، كمثال: برنامج لهايبر ماركت كبير؛ لتنظيم البيع والشراء، ولكن من ضمن معلوماتنا عن هذا الهايبر أنه يبيع السجائر، أو برنامج لشركة تعمل للفنادق؛ لتنظيم حجز الغرف، ويستخدم البرنامج للفنادق الشرعية الموجودة بمكة، والمدينة، وأيضًا يستخدم للفنادق السياحية على الشواطئ.
وخلاصة القول: تصميم برامج لمؤسسة فيها ما هو شرعي، وفيها ما هو مخالف للشريعة، ولا أستطيع حصر المخالف والشرعي، أو تحديد أيهما أكثر لكل مؤسسة، والبرنامج لا يوجد به ما يخالف الشريعة، ولكن المؤسسة التي تشتريه بها أعمال شرعية، وغير شرعية، فأرجو من فضيلتكم الجواب، مع ذكر أكبر عدد من الأدلة الشافية؛ لأني في حيرة من أمري.
أما السؤال الثاني: بإذن الله لن نستغني، أو نملّ من تحري الحلال، ولكن قد يقوم الفرد منا بالكثير من الأسئلة مع المؤسسات، ومنها الأسئلة الفلسفية؛ لتحري شرعية العمل، فهل توجد طريقة للوصول لمرحلة القول: إنني لن أدخل في النيات، وأنا بريء من طريقة استخدام البرنامج؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام الغرض الأساس للجهة التي تستفيد من البرنامج هو المباح، والمحرم يسير عارض -كبقالة يباع فيها الدخان، أو فندق توجد فيه بعض المخالفات الشرعية-، فلا حرج في تقديم البرنامج لها؛ وذلك لأنه يصح تبعًا ما لا يصح استقلالًا، كما هو مقرر في القواعد الفقهية، جاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: يغتفر في الشيء ضمنًا، ما لا يغتفر فيه قصدًا. اهـ.

ولأن وجود مثل تلك المخالفات مما عمت به البلوى؛ فقلّ أن يوجد محل إلا ويباع ضمن ما يباع فيه ما هو منهي عنه شرعًا, كما سبق في الفتوى: 278341.

وقد سئل الدكتور سليمان الماجد: هل يجوز العمل كطيار في شركة طيران تقدم الخمر للركاب؟ علمًا بأن الطيار لا يقدم الخمر، وليس له علاقة فيها، فهو فقط يقود الطائرة، ومعظم الشركات -حتى العربية- تقدم الخمر؟

فأجاب: فحيث إن قائد الطائرة لا يباشر تقديم الخمور بنفسه، ولا يأمر به، وأن الغرض الذي استؤجر لأجله غرض مباح في أصله؛ وهو قيادة الطائرة للملاحة الجوية، ونقل الركاب؛ فلا تعد قيادته لها محرمة؛ كتأجير البيت على من يعلم أنه يستخدمه في حرام تبعًا لغرض السكنى؛ كمشاهدة محرم، أو حلق لحية، ولكن يحسن بالطيار المسلم البحث عن شركة لا تقدم الخمور على طائراتها؛ كما يجب عليه الإنكار عليها: بالكتابة لها، ومناصحتها. اهـ.

وأما السؤال الثاني: فإن الأصل هو إباحة البيع، والسلامة مما يمنعه، ولا نعلم ما يوجب البحث والتنقير عن حال المستفيدين من البرامج، لكن متى علمتم أن الغرض الأساس للمستفيد هو استعمال البرنامج في المحرم؛ فحينئذ فقط يحرم تقديم البرامج له.

وأما الشك -وغلبة الظن عند بعضهم-، فلا يوجب التحريم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية -في الكلام عن بيع العصير لمن يتخذه خمرًا-:

هذا إذا علم البائع قصد المشتري.

وأما إذا غلب على ظنه، اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع: أن يعلم البائع بقصد المشتري اتخاذ الخمر من العصير، فلو لم يعلم، لم يكره بلا خلاف، كما ذكره القهستاني من الحنفية، وكذلك قال ابن قدامة: إنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك: إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.

أما الشافعية فاكتفوا بظن البائع أن المشتري يعصر خمرًا أو مسكرًا، واختاره ابن تيمية.

أما إذا لم يعلم البائع بحال المشتري، أو كان المشتري ممن يعمل الخل والخمر معًا، أو كان البائع يشك في حاله، أو يتوهم: فمذهب الجمهور الجواز، كما هو نص الحنفية، والحنابلة. ومذهب الشافعية أن البيع في حال الشك، أو التوهم مكروه. اهـ.

ويمكن من باب الاحتياط أن تشترطوا على المستفيدين من البرامج ألا يستعملوها في محرم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني