الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل نسبة النعم إلى أسبابها شرك؟

السؤال

قول الرجل: "ذهبت إلي الطبيب، أشفى"، أو "أكلت الدواء، أشفى"، أو "شربت الماء، ذهب الظمأ"، والحال أنها كلها من الله، فهل هذا القول شرك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان المقصود السؤال عن حكم إضافة النعم إلى أسبابها المعلومة المحسوسة؛ كنسبة الشفاء إلى التداوي، ونسبة الري وذهاب الظمأ إلى شرب الماء؛ فهذا بمجرده ليس شركًا، ما دام المرء يعتقد أنها مجرد أسباب، وأنها ليست مستقلة بالتأثير عن الخالق سبحانه، لكن إن كان ينسب النعم إلى أسبابها، فلا ينبغي أن يتناسى المنعم جل وعلا، قال السعدي: الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولًا، واعترافًا؛ وبذلك يتم التوحيد، فمن أنكر نعم الله بقلبه، ولسانه، فذلك كافر، ليس معه من الدِّين شيء.

ومن أقر بقلبه أن النعم كلها من الله وحده، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله، وتارة يضيفها إلى نفسه وعمله، وإلى سعي غيره، كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس؛ فهذا يجب على العبد أن يتوب منه، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها، وأن يجاهد نفسه على ذلك، ولا يتحقق الإيمان والتوحيد إلا بإضافة النعم إلى الله قولًا، واعترافًا.

فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان: اعتراف القلب بنعم الله كلها عليه، وعلى غيره. والتحدث بها، والثناء على الله بها. والاستعانة بها على طاعة المنعم، وعبادته. اهـ. من القول السديد.

وقال ابن عثيمين في القول المفيد: قوله: "وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان، لم يكن كذا"، وهذا القول من قائله فيه تفصيل:

إن أراد به الخبر، وكان الخبر صدًقا مطابقًا للواقع; فهذا لا بأس به.

وإن أراد بها السبب; فلذلك ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون سببًا خفيًّا لا تأثير له إطلاقًا، كأن يقول: لولا الولي الفلاني، ما حصل كذا وكذا، فهذا شرك أكبر؛ لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا الولي تصرفًا في الكون مع أنه ميت، فهو تصرف سري خفي.

الثانية: أن يضيفه إلى سبب صحيح ثابت شرعًا أو حسًّا; فهذا جائز؛ بشرط أن لا يعتقد أن السبب مؤثر بنفسه، وأن لا يتناسى المنعم بذلك.

الثالثة: أن يضيفه إلى سبب ظاهر، لكن لم يثبت كونه سببًا لا شرعًا، ولا حسًّا; فهذا نوع من الشرك الأصغر، وذلك مثل: التِّولة، والقلائد التي يقال: إنها تمنع العين، وما أشبه ذلك; لأنه أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا، فكان مشاركًا لله في إثبات الأسباب.

ويدل لهذا التفصيل أنه ثبت إضافة (لولا) إلى السبب وحده بقول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: "لولا أنا; لكان في الدرك الأسفل من النار"، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الشرك، وأخلص الناس توحيدًا لله تعالى، فأضاف النبي صلى الله عليه وسلم الشيء إلى سببه. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 371794، 130380، 316183.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني