الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وصية الوالد لأحد أولاده

السؤال

لدي سؤال، وأريد من فضيلتكم التكرم بالرد جزاكم الله خيرا.
السؤال هو: هل تجوز الوصية من الأب لأحد الأولاد، أو بيع قطعة أرض لأحد أبنائه.
نحن 3 أبناء و5 بنات. أبي لديه أرض، ويريد بيع جزء منها لشخص آخر. أنا أحد أبنائه الثلاثة، أريد شراء هذه الأرض. هل يحق لي الشراء من والدي أو لا؟
وهل للأب أن يهدي أحد أبنائه جزءا من أملاكه كهدية، أو كوصية يوصي بها لأحد أبنائه؟
أفيدونا أفادكم الله، ونفع بعلمكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما وصية الوالد لأحد أولاده، فإنها غير مشروعة؛ لأنها وصية لوارث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ، قاله الحافظ في بلوغ المرام.
جاء في شرح المنتهى عن الوصية للوارث: وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ؛ فَلِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ... وَتَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "«لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: "«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ»" رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ. فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ نَفَذَ. اهــ.
وأما هل يجوز للولد أن يشتري من أبيه، فالجواب نعم، ولا يحرم ذلك. والولد في هذا كسائر الناس، له أن يشتري من أبيه ويبيع عليه، ولا إشكال في هذا، ولكن إن كان البيع بينهما صوريا فقط بحيث يعطي الوالد ابنه أرضا أو بيتا مثلا، ويكتبان عقد بيع صوري، فهذه في الحقيقة هبة لا بيع، ويجري فيها أحكام الهبة لا البيع، ومما يقع بين الوالد وولده بيع المحاباة، ويعرفه الفقهاء بأنه البيع بأقل من القيمة بكثير بقصد نفع المشتري.

وانظر ما يترتب عليه الفتوى: 206782، والفتوى: 133804، والفتوى: 131341، والفتوى: 301114.

وأما الهدية لأحد الأولاد: فيجوز للأب أن يهدي لولده، لكن بشرط العدل بأن يعطي البقية أيضا، ولا يخص بعضهم بالهدية دون الآخرين إلا لمسوغ شرعي كفقر أو مرض، وليس له أن يفضل بعض أولاده في الهدية دون مسوغ شرعي؛ لحديث النعمان بن بشير في الصحيحين أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟». فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَارْجِعْهُ».
وَفِي لَفْظٍ: فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي. فَقَالَ: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ». فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ :«فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ثُمَّ قَالَ: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟» قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَلَا إِذًا».

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني