الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم بيع مواد كُتِبَ على غلافها بلغة توهم صنعها بالمكان الفلاني

السؤال

قام أخي بشراء قطع بلاستيكية صينية المنشأ وقام بتغليفها.
في مقدمة الغلاف كتب اسم ونوع القطعة باللغة الإنجليزية واليابانية.
عند سؤاله عن سبب كتابة اسم القطعة باللغة اليابانية بجانب الإنجليزية، أخبرني أن البعض عندما يرى ذلك، قد يظن أنها قطع يابانية المنشأ ومعظم الناس لا تبالي لتقرأ خلف الغلاف أن القطعة مذكور أنها صينية المنشأ.
هل هذا جائز؟
وهل المال الناتج عن بيع هذه القطع حرام كليا؟
إذا كان ذلك حراما. وكنت شريكه، وكنت رافضا لهذه الفكرة. فهل حصتي من المال أيضا ليست حلالا؟
شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت تلك القطع لا عيب فيها، وتباع بثمنها المعتاد؛ فالبيع صحيح. ولا حرج في الانتفاع بالثمن المكتسب منها، ولا يلزم التصدق بشيء منه.

وللمشتري التثبت حول منشأ تلك القطع والبلد المصنع لها، إن أراد ذلك. وكثير من الناس قد لا يبالي بذلك ولا سيما في بعض المنتجات. لكن لا يجوز لأخيك ما يفعله من تغليفها وكتابة أسمائها بلغات أخرى بغرض التعمية على المشتري، أو إيهامه بغير الحقيقة؛ لتزداد رغبته؛ لدخول هذا في جملة الغش المحرم، فيأثم بسبب ذلك القصد. لكن هذا لا يؤثر في صحة البيع إذا كان البائع لا يخفي بما يفعله عيبا مؤثرا في قيمتها وثمنها.

وعلى فرض كون ذلك الفعل يخفي عيبا مؤثرا، فهذا غش محرم. واختلف هل يؤثر في صحة البيع أو لا؟ والصحيح أنه لا يؤثر في صحة البيع أيضا.

قال النووي في المجموع: إن باع ولم يبين العيب؛ صح البيع مع المعصية، قال الشافعي رحمه الله في المختصر: وحرام التدليس، ولا ينقض به البيع.... انتهى.

ونهيك له عن ذلك الفعل وعدم رضاك به، مما يحمد لك، لكن الشريك وكيل عن شريكه في التصرف؛ ولذا كره أهل العلم مشاركة من لا يتوقى الحرام.

والثمن المكتسب من تلك التجارة ينظر فيه: فإن كان فعل الأخ لا يخفي عيبا ولا يزيد في الثمن بسببه، فالثمن كله مباح وليس عليك التصدق بشيء منه مع إثم الأخ بسبب نيته.

وأما لو كان فعله ذلك يخفي عيبا مؤثرا ويزيد في ثمن القطع عن الثمن الحقيقي بسبب ذلك التدليس، فهنا يرد الزائد من الثمن للمشتري إن أمكن. وللمشتري حق رد البيع وأخذ ما دفع. وإن تعذر الوصول للمشتري، فيتصدق بما زاد عن الثمن الحقيقي عنه عملا بالمستطاع.

جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية -رحمه الله-: وَمَنْ بَاعَ مَغْشُوشًا، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِن الثَّمَنِ إلَّا مِقْدَارُ ثَمَنِ الْغِشِّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِهِ، أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ، إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ. مِثْلَ مَنْ يَبِيعُ مَعِيبًا مَغْشُوشًا بِعَشَرَةٍ، وَقِيمَتُهُ لَوْ كَانَ سَالِمًا عَشَرَةٌ، وَبِالْعَيْبِ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ، فَعَلَيْهِ إنْ عَرفَ الْمُشْتَرِي، أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الدِّرْهَمَيْنِ إنْ اخْتَارَ، وَإِلَّا رَدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعَ، وَإِنْ لَمْ يعرفْهُ، تَصَدَّقَ عَنْهُ بِالدِّرْهَمَيْنِ. اهـ.

ومن رغب في بركة البيع فليصدق فيه، وليبين للمشتري حقيقة السلعة، ولا يكتم عنه ما يكرهه فيها أو يدلس عليه فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين: فإن صدقا وبينا؛ بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما؛ محقت بركة بيعهما. رواه البخاري ومسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني