الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطلاق تحت تهديد الزوجة بالانتحار وكتابة الطلاق

السؤال

أنا متزوج منذ سنتين، وأحب زوجتي، واتقيت ربنا فيها، واخترتها بنفسي، لكنها سمحت للناس أن يجعلوها تغير معاملتها لي، وتفتعل المشاكل معي، وتستفز شعوري بأفعال وتصرفات غير مسؤولة، مثل أنها تجعلني أشك فيها، أو يكون لها أصدقاء رجال من ورائي؛ بحجة أني غير موافق على هذا الشيء.
ولما اكتشفت جن جنوني، ومسائل أخرى، مثل تدخلات من أهلها، وتحكم فيها أن تكون لها شخصية وغيرها، وأنها ينبغي أن تعمل؛ لكي يكون عندها دخل مستقل، وهذا الشيء الذي كنت أرفضه، ومع ذلك قبلت أن تعمل، وكانت النتيجة أنها أهملت بيتها، وزوجها، وحياتها؛ فأصبحت الحياة راكدة في آخر 6 أشهر، ومع كل مشكلة كان رد فعلها عصبيًّا، فأول مرة طلبت الطلاق بعد شجار كبير، وهددتني أنها ستنتحر لو لم أطلقها، فتلفظت بالطلقة الأولى، وندمت بعدها.
والمرة الثانية كانت بسبب أنها مصاحبة لامرأة تحاول أن تخرب البيت، وتشحنها بالكلام عني، مثل: أنت أحسن منه، لماذا قبلت أن تتزوجي به؟ لم يكن أحد يريد أن ينظر له، وكلام شبيه بهذا؛ مما أدّى إلى افتعالها للمشاكل، وإهمالها للبيت، ورد الكلمة عليّ بعشرين كلمة، وأحيانًا كان الخصام يطول لأكثر من شهر؛ بسبب تغيرات نفسية، سواء مني أو منها، ولما عرفت قلت لها: أنت بهذا تخربين البيت، وهذا لن يكون له حل غير الانفصال، فقالت لي: خلاص عادي طلقني.
وبعدما تلفظت بالطلقة الثانية؛ ندمت، وشعرت هي كذلك بتأنيب الضمير، وأنه كان هناك شخص يحاول أن يخرّب البيت، وسرعان ما تأتيني لكي تستسمحني، وبعد أن أعود لها تحدث مشكلة أخرى شبيهة بتلك دون أي تفكير منها، أو تعلّم من أخطاء الماضي؛ حتى وصل بها المطاف إلى جعلي أشعر بالشك، والغيرة الشديدة، مثل تعقيبي على ملابسها أحيانًا؛ بسبب عدم حشمتها، أو مكياجها وتزينها خارج المنزل، أو رائحة عطرها النفاذة بسبب غيرتي عليها، فيكون رد فعلها التذمر، والنفخ؛ حتى قالت لي: لا تتدخل في شؤوني، وبات الأمر باردًا بيننا؛ حتى فقدت الإحساس بالشعور في أي شيء؛ مما ترتب عليه فتور مشاعري ناحيتها، فاعتزلتها؛ لكي أتجنب أي أذى نفسي.
وبعدها عادت المشاكل، وافتعلت أمورًا، واعترفت أنها تستفزني؛ فولّدت بداخلي الشك ناحيتها؛ مما أدى إلى الطلقة الثالثة، فكانت عن طريق رسالة مكتوبة، بعد أن هجرتها لمدة شهر من تاريخه، وأصبح الأمر قضية، وأنا أشعر بالندم؛ لأني أحبّها، ولا أستطيع أن أحبّ غيرها، وأريد أن أردّها، فما حكم الدِّين في ذلك؟ وبماذا تنصحونني؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن الغريب أنك لم تكتب إلينا إلا بعد أن استفحل الأمر، وعظم الخطب، وكان ينبغي السؤال في بداية الأمر؛ لتتدارك ما يمكن تداركه، وتعمل على الإصلاح.

وإن لم يكن ذلك بالكتابة إلينا، فبمشافهة من عندكم من العلماء الثقات، أو التواصل مع المراكز الإسلامية.

وقد ذكرت عن زوجتك ما يدل على نشوزها، وقد أوضح الشارع في محكم كتابه كيفية علاج النشوز، وهو مبين في الفتوى: 1103.

وعلى الأقل: كان بالإمكان أن يتدخل العقلاء من أهلك وأهلها؛ للحيلولة دون حصول ما يهدد كيان الأسرة، ويؤدي إلى تفرقها.

وليس الطلاق بأول الحلول، ولا أولاها، فما كان ينبغي لك مجاراة زوجتك في أمر الطلاق.

وبخصوص هذه الطلقات الثلاث: فالطلقة الثانية لا إشكال في وقوعها، ويبقى النظر في الطلقة الأولى، والطلقة الثالثة.

فأما الأولى؛ فالأصل أنها طلقة نافذة، فليس مجرد التهديد بالانتحار مانعًا من وقوع الطلاق، إلا إذا غلب على ظنك أنها ستنفذ ما هددت به إن لم تطلقها؛ فقد سبق لنا ترجيح عدم وقوع طلاق من هددته امرأته بقتل نفسها فطلقها؛ إذا غلب على ظنه صدقها في فعل ما هددت به؛ لدخوله في معنى الإكراه، الذي لا يصح معه الطلاق، وراجع الفتوى: 121714.

وأما الثالثة: فكتابة الطلاق كناية من كناياته، فيقع الطلاق بها بالنية، فإن كتبته بنية إيقاعه -وهو ما يظهر-، وقع.

وإن نويت به تهديدها، ونحو ذلك، لم يقع.

وعلى تقدير وقوع الطاقات الثلاث؛ فتحرم بها زوجتك، فلا يحل لك رجعتها؛ حتى تنكح غيرك نكاح رغبة، ثم يفارقها؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.

وعلى تقدير وقوع واحدة، أو اثنتين، فمن حقك رجعتها بغير عقد جديد، إن كانت لا تزال في عدتها.

فإن انقضت عدتها؛ فلا يحل لك رجعتها إلا بعقد جديد، قال الشافعي في كتابه الأم: وإذا طلق الرجل امرأته واحدة، أو اثنتين، فهو أحق بها، ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة، فقد حلت منه، وهو خاطب من الخطاب، لا يكون له عليها رجعة، ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئًا بولي، وشاهدين، ورضاها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني