الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن أحسَن في إسلام امرأة والزوج منها فلا يكن سببًا في خروجها منه بتصرفاته

السؤال

لجأت إلى لبنان مع أسرتي، وكنت تعرفت إلى فتاة، وعرَّفتُها بالإسلام، وقررت أن تتحجب وتلتزم، وقررنا الزواج، فتزوجنا ثم طلقتها، وجاءني خبرها وضيق حالها، فالمعيشة غالية، ولا تستطيع العودة لأهلها، فأخذتني الشفقة، وندمت أني تسرعت في طلاقها، فأرسلت لها بشكل غير مباشر، ثم تحوَّل الموضع تباعًا للزنى، ثم تركتها بعدها، وظللت أفكر، وعدنا إلى الكلام، وقلت: هذا الحال لا يصلح، ولإرجاعها لا بد أن تتزوج رجلًا آخر، ويدخل بها، وأرسلت لها ذلك، ولم أكن أعرف الرجل، وقلت لها تتزوج به دون إذن والدها؛ لأنه ليس مسلمًا، ويحل مكانه القاضي، وحتى لا تعرف الزوجة الأولى (بالنظر لأوراق المحكمة) عقد القِران شيخ دون حضور الأب، آخذًا بقول أبي حنيفة بتزويج المرأة الراشدة نفسها، فتزوجها، وكنا نتواصل أحيانًا، إلى أن طلبت الطلاق، وعلم هو بنيتها، فطلقها بعد فترة، والتقيت به، وذكر أمرًا يحزّ في نفسي، فقال: هل أكون محلِّلًا بفعلي هذا؟
تكلمت معها بعدها، والتقيت بها في العدة، وتبت إلى الله عز وجل، وعقدنا العزم على الزواج، وتزوجتها بعد العدة بحضور أهلها، وبدأت أحسّ بشعور غريب، ثم تطور لضيق في الصدر، وإحساس بغضب الله، مع يقيني باستحقاقي؛ لتجاوزي حدود الله، ثم بدأت تراودني فكرة بطلان زواجي، والشعور بندم يأكل قلبي، فلم يعد يهنأ لي بال، وأصبحت أشعر بضيق في الصدر أحيانًا في الصلاة، وغيرها، وعزمت على فراقها، ولكن خوفي على بنتيّ ومصيرهما يعيقني، وخوفي من أن تؤذي نفسها، فلا تستطيع العودة لأهلها، ولا تستطيع تأمين لقمة العيش أو العيش وحدها؛ لإصابتها بالذعر المفاجئ، والاكتئاب أحيانًا، وهي تتناول أدوية مهدئة.
أسلّي نفسي أحيانًا بالقول: إن زواجي مشبوه، وقد يكون حلالًا، ثم ما يلبث أن يجثم ذلك الشعور المخيف بغضب الله، وأني على معصية أخاف الموت عليها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما قمت به من تعريف هذه المرأة بالإسلام، وكونك قد كنت سَبَبًا في إدخالها في الإسلام، فيه خير كثير، وراجع في فضل الدعوة إلى الله الفتوى: 2439، والفتوى: 60180، فقد أحسنت من هذه الجهة، وأيضًا من جهة زواجك منها.

ولكنك أسأت بوقوعك معها في فاحشة الزنى، فالواجب عليك التوبة النصوح، والحذر من العودة لمثل ذلك في المستقبل، وعدم التساهل في التعامل مع الأجنبية، من الخلوة بها، ونحو ذلك، وانظر الفتاوى: 1602، 5450، 33105.

هذا مع العلم بأن في سؤالك بعض الأمور غير الواضحة، ومنها نوع الطلاق الذي أوقعته، وما إن كان رجعيًّا أم بائنًا، وهل البينونة صغرى أم كبرى.

وعلى كلِّ؛ فإن كنت أَبَنْتَ المرأة البينونة الكبرى، فلا تحل لك حتى ينكحها زوج غيرك، نكاحًا صحيحًا، رغبة لا تحليلًا، ويدخل بها دخولًا حقيقيًّا، ثم يطلقها، أو يموت عنها، ونية التحليل لا تضرّ إن كانت من قبل المرأة، كما بيناه في الفتوى: 62189. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 113665، 40490.

والوليّ شرط لصحة الزواج، على المرجح عندنا من أقوال الفقهاء، وهو قول الجمهور، وتراجع الفتوى: 32593، والفتوى: 1766.

وإذا عقد الزواج على مذهب أبي حنيفة، فإنه معتبر ويمضي، فأمسك عليك زوجك، ولا تلتفت إلى أيِّ وساوس فيما يتعلق بصحة الزواج، وأحسن صحبتها، وعاشرها بالمعروف، كما أمر الله عز وجل في محكم كتابه.

وقد بين أهل العلم ما هو مقصود بالمعاشرة بالمعروف، قال الجصاص: ومن المعروف: أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ. وقال السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف: من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.

وبما أنها حديثة عهد بالإسلام؛ فيتأكد حسن التعامل معها، وترغيبها في الثبات على الحق، لا أن تتلاعب بها، وتتعامل معها وكأنها سلعة رخيصة، فتكون سببًا في صدّها عن الحق، بعد أن كنت سببًا في قبولها به، ودخولها في الإسلام.

وكن على حذر من أمر الطلاق؛ فإن عواقبه وخيمة، لا سيما وأنك قد رزقت من هذه المرأة بنتين، فقد تتضرران بسبب فراق الأبوين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني