الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

دخلت المنزل في حالة غضب وقلت لزوجتي: أنت طالق، طالق، طالق. ثم خرجت من المنزل لمدة خمس دقائق، ودخلت مرة أخرى وقلت لها: أنت طالق بالثلاث.
سألت أحد الأصدقاء، فقال لي إنها طلقة واحدة. وراجعتها خلال فترة العدة.
وبعد ذلك بسنة ونصف وفي حالة غضب، قلت لها: أنت طالق، طالق، طالق. وعندما قالت لي: اتق الله، لقد قلتها سابقا قبل سنة، قلت لها: وأيضا طالق، وكانت في طهر جامعتها فيه. وبعد هذه المشكلة بأقل من شهر علمنا أنها حامل.
أرجوكم أفتونا، فنحن نعيش في بلد أجنبي، ولا نستطيع أن نحصل على فتوى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان صديقك الذي سألته عن حكم الطلاق؛ أهلاً للفتوى؛ فلا حرج عليك في العمل بقوله. وأمّا إن كان غير أهل للفتوى، فلم يكن لك العمل بقوله، وكان عليك أن تبحث عن أهل العلم لتسألهم.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في روضة الناظر وجنة المناظر: ولا يستفتي العامّي إلا من غلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد، بما يراه من انتصابه للفتيا بمشهد من أعيان العلماء، وأخذ الناس عنه، وما يتلمحه من سمات الدين والستر، أو يخبره عدل عنه. انتهى.
والمفتى به عندنا فيمن قال لزوجته: أنت طالق، طالق، طالق، ونوى إيقاع ثلاث تطليقات، أنها تطلق ثلاثاً، وتبين منه بينونة كبرى.

وإذا لم ينو إيقاع أكثر من طلقة، فلا يقع إلا طلقة واحدة، ومن قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا، أو بالثلاث؛ طلقت ثلاثاً، وبانت منه بينونة كبرى، وهذا قول أكثر أهل العلم.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق، وقال أردت التوكيد قبل منه .. ... وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثا. وإن لم ينو شيئا، لم يقع إلا واحدة؛ لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة، فلا يكنّ متغايرات.

وقال: وإن طلق ثلاثا بكلمة واحدة، وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. ولا فرق بين قبل الدخول وبعده. روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس، وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم. انتهى.
وعليه؛ فالمفتى به عندنا؛ أنّ هذه المرأة بانت من زوجها بينونة كبرى، وليس له مراجعتها إلا إذا تزوجت زوجاً غيره -زواج رغبة لا زواج تحليل- ويدخل بها الزوج، ثم يطلقها أو يموت عنها، وتنقضي عدتها منه.
لكنّ بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، ولا يوقع بالطلاق المتتابع قبل رجعة، أو عقد جديد إلا طلقة واحدة.

قال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى:.. وكذلك إذا طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة أو العقد عند مالك، وأحمد في ظاهر مذهبه وغيرهما؛ ولكن هل يلزمه واحدة؟ أو ثلاث؟ فيه قولان. قيل: يلزمه الثلاث؛ وهو مذهب الشافعي. والمعروف من مذهب الثلاثة. وقيل: لا يلزمه إلا طلقة واحدة؛ وهو قول كثير من السلف والخلف، وقول طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة؛ وهذا القول أظهر. انتهى.
أمّا طلاق الحامل، فهو نافذ بلا خلاف.
واعلم أنّ المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، لا حرج على العامي أن يعمل بقول من أقوالهم فيها، ما دام مطمئنا إلى صحة القول وليس متبعا لهواه. وانظر الفتوى: 120640.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني