الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في حكم ردة الصبي المميز

السؤال

إذا كان هناك صبي بعمر العاشرة، ولم يحتلم بعد، أي أنه ليس مكلفاً، ولكنه تلفظ بسب الدين دون علم الحكم، واستغفر بعد ذلك وتاب، وعزم على ألا يتكرر منه هذا اللفظ مرة أخرى.
فهل يحكم بكفر هذا الصبي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن البالغ إذا ارتد وكفر بالله -مهما كان نوع كفره بسب دين الإسلام، أو بغيره- ثم تاب، فإنه تصح توبته، وتقبل عند الله سبحانه، فالصبي كذلك. قال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

قال ابن تيمية: والله تعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب. والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ وجسم، فإن التوبة تمحو ذلك كله. والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، بل يغفر الشرك وغيره للتائبين، كما قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين. وأما قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،} فإنها مقيدة خاصة؛ لأنها في حق غير التائبين لا يغفر لهم الشرك، وما دون الشرك معلق بمشيئة الله تعالى. اهـ. من مجموع الفتاوى.

على أن العلماء مختلفون أصلا في صحة ردة الصبي.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اختلف الفقهاء في حكم ردة الصبي المميز.
فذهب أبو يوسف وزفر والشافعي، وقول لأحمد إلى أن ردة الصبي لا تصح؛ لأن أقوال الصبي غير صحيحة، لا يتعلق بها حكم كالطلاق والإقرار والعقود، ولأن الإسلام فيه نفعه، والكفر فيه ضرره، ويجوز تصرفه النافع دون الضار.

وقال أبو حنيفة ومحمد والمالكية وهو المشهور عن أحمد: يحكم بردة الصبي؛ لأن الإسلام يتعلق به كمال العقل دون البلوغ. بدليل أن من بلغ غير عاقل لم يصح إسلامه، والعقل يوجد من الصغير كما يوجد من الكبير، ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهو التصديق مع الإقرار، لأن الإقرار طائعا دليل الاعتقاد، والحقائق لا ترد، وإذا صار مسلما، فإذا ارتد تصح كالبالغ، ولأن الإسلام عقد والردة حله، وكل من ملك عقدا ملك حله كسائر العقود، ولأن من كان بيده الاعتقاد تصور منه تبديله، فإذا اقترن به الاعتراف، دل على تبديل الاعتقاد كالمسلم.

وإذا ثبتت ردة الصبي ترتب عليها أحكام الردة، فلا يرث ولا يورث، وتبين امرأته، ولا يصلى عليه لو مات مرتدا، ويجبر على الإسلام؛ لأنا لما حكمنا بإسلامه لا يترك على الكفر كالبالغ، ولأن بالجبر يندفع عنه مضرة حرمان الإرث، وبينونة الزوجة وغير ذلك.
وإنما لا يقتل؛ لأن كل من لا يباح قتله بالكفر الأصلي لا يباح بالردة؛ لأن إباحة القتل بناء على أهلية الحراب، ولأن القتل عقوبة وهو ليس من أهلها، ولأن القتل لا يتعلق بفعل الصبي كالقصاص. انتهى

ولا يقتل الصبي قبل بلوغه عند القائلين بصحة ردته، بل لا يقتل عند الشافعي حتى بعد بلوغه. اهـ.

وانظر الفتوى: 134334.

وراجع نصائح لعلاج الوسوسة، في الفتوى: 259459، وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني