الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأقيت المضاربة بحصول مبلغ محدد من الربح

السؤال

ما حكم تحديد المضاربة بمبلغ معين:
كأن يقول لشخص: خذ 1000 $ تاجر بها، واقسم الربح يوميًّا إلى الثلث: ثلث تأخذه (حصتك من الربح)، وثلث آخذه (حصتي من الربح)، وثلث ضعه احتياطًا (حصة احتياطية من الربح).
إذا خسرت يومًا ما، أو لم تربح، فخذ من الاحتياطي 10$، وأكمل الخسارة منه، وهكذا حتى تبلغ الحصة 2000$، وعندما بلغ الحصة 2000 $ تنتهي مدة المضاربة، والباقي من حصة الاحتياطي لك، فما حكم هذه المضاربة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن هذه المضاربة لا تصح؛ لما فيها من تأقيت المضاربة بأجل مجهول، وهو حصول المبلغ المحدد من الربح.

وجمهور العلماء على أنه لا يصح تأقيت المضاربة أصلًا، ومن أجازه إنما أجازه بأجل معلوم، جاء في المغني لابن قدامة: فصل: ويصح تأقيت المضاربة، مثل أن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة، فإذا انقضت، فلا تبع، ولا تشتر.

قال مهنا: سألت أحمد عن رجل أعطى رجلًا ألفًا مضاربة شهرًا، قال: إذا مضى شهر، يكون قرضًا. قال: لا بأس به. قلت: فإن جاء الشهر وهي متاع؟ قال: إذا باع المتاع، يكون قرضًا.

وقال أبو الخطاب: في صحة شرط التأقيت روايتان:

إحداهما: هو صحيح. وهو قول أبي حنيفة.

والثانية: لا يصح. وهو قول الشافعي، ومالك. واختيار أبي حفص العكبري؛ لثلاثة معان:

أحدها: أنه عقد يقع مطلقًا، فإذا شرط قطعه، لم يصح، كالنكاح.

الثاني: أن هذا ليس من مقتضى العقد، ولا له فيه مصلحة، فأشبه ما لو شرط أن لا يبيع.

وبيان أنه ليس من مقتضى العقد، أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضًّا، فإذا منعه البيع، لم ينض.

الثالث: إن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل؛ لأنه قد يكون الربح والحظ في تبقية المتاع، وبيعه بعد السنة، فيمتنع ذلك بمضيها.

ولنا: أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع، فجاز توقيته في الزمان، كالوكالة.

والمعنى الأول الذي ذكروه يبطل بالوكالة، والوديعة.

والمعنى الثاني والثالث يبطل تخصيصه بنوع من المتاع. ولأن لربّ المال منعه من البيع والشراء في كل وقت إذا رضي أن يأخذ بماله عرضًا، فإذا شرط ذلك، فقد شرط ما هو من مقتضى العقد، فصحّ، كما لو قال: إذا انقضت السنة، فلا تشترِ شيئًا. وقد سلّموا صحة ذلك .اهـ.

ثم إن الربح في المضاربة لا يتبين إلا بعد تصفية الشركة، لكن يجوز توزيع ما يظهر من الربح مقدمًا تحت الحساب، ويراجع ما دفع مقدمًا تحت الحساب بعد تصفية الشركة، فإذا حصلت خسارة تحمَّلَ ربّ المال ما خسر من ماله، وتحمل المضارب ما خسر من جهده.

وإن حصل ربح، قسّم بينهما، وفق ما اشترطاه من نسبة.

جاء في المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة: 8/7 لا ربح في المضاربة إلا بعد سلامة رأس المال، ومتى حصلت خسارة في عمليات المضاربة، جبرت من أرباح العمليات الأخرى، فالخسارة السابقة يجبرها الربح اللاحق، والعبرة بجملة نتائج الأعمال عند التصفية.

فإذا كانت الخسارة عند تصفية العمليات أكثر من الربح، يحسم رصيد الخسارة من رأس المال، ولا يتحمل المضارب منه شيئًا باعتباره أمينًا، ما لم يثبت التعدي، أو التقصير.

وإذا كانت المصروفات على قدر الإيرادات، يتسلم ربّ المال رأس ماله، وليس للمضارب شيء.

ومتى تحقق ربح، فإنه يوزع بين الطرفين، وفق الاتفاق بينهما.

8/8 يستحق المضارب نصيبه من الربح بمجرد ظهوره (تحققه) في عمليات المضاربة، ولكنه ملك غير مستقر، إذ يكون محبوسًا؛ وقاية لرأس المال، فلا يتأكد إلاّ بالقسمة عند التنضيض الحقيقي، أو الحكمي.

ويجوز تقسيم ما ظهر من ربح بين الطرفين تحت الحساب، ويراجع ما دفع مقدمًا تحت الحساب عند التنضيض الحقيقي، أو الحكمي.

يوزع الربح بشكل نهائي بناء على أساس الثمن الذي تم بيع الموجودات به، وهو ما يعرف بالتنضيض الحقيقيّ.

ويجوز أن يوزع الربح على أساس التنضيض الحكمي، وهو التقويم للموجودات بالقيمة العادلة.

وتقاس الذمم المدينة بالقيمة النقدية المتوقع تحصيلها، أي: بعد حسم نسبة الديون المشكوك في تحصيلها.

ولا يوجد في قياس الذمم المدينة القيمة الزمنية للدّين (سعر الفائدة)، ولا مبدأ الحسم على أساس القيمة الحالية (أي: ما يقابل تخفيض مبلغ الدَّين لتعجيل سداده) .اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 280612، 279181، 386281.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني