الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخروج لصلاة الجماعة بهدف الوصف بالالتزام وحبّ ثناء الناس

السؤال

لديّ سؤال عن الرياء، فأنا في بعض الأحيان أذهب إلى المسجد لصلاة الجماعة، على أمل أن يراني أحدهم عند خروجي من المسجد؛ لكي يعلم بالتزامي بصلاة الجماعة، أي أن دافعي للذهاب للجماعة كان الرياء، وربما معه قصد الجماعة لفضلها أيضًا، ولولا ذلك ربما كنت صليت بالبيت، وأنا نادم على فعلي هذا، فهل عليَّ إعادة تلك الصلوات التي صليتها في المسجد؟
وقد يصادف أثناء صلاة الجماعة أن يراني أحدهم، فيعجبني أن يراني ملتزمًا بالصلاة في المسجد، فهل هذا من الرياء؟ وهل عليّ إعادة الصلوات تلك أيضًا؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فيجب على المسلم أن يخلص عمله كله -سرّه وعلانيته- لله تعالى وحده، ويحذر كل الحذر أن يمازجه شيء لغير الله تعالى، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه. رواه مسلم.

وقد تقدم بيان حقيقة الرياء وأنواعه في الفتوى: 10992.

وبخصوص سؤالك: فإن كنت لا تخرج إلى المسجد إلا ليراك الناس عند خروجك من المسجد، أو دخولك فيه؛ ليثنوا عليك بأنك ملتزم بصلاة الجماعة، ولولا هذا الذي ترجو من ثنائهم، ربما صليت بالبيت، فهذا رياء، تجب التوبة إلى الله تعالى منه بالإقلاع، والندم على ما فات من فعله، والنية أن لا تعود إليه بقية حياتك، قال العلامة الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم الشنقيطي في نخبة المطلوب من شرح مطهرة القلوب: الرياء ثلاث درجات:

أولها: أن يقصد بعمله الخلق، ولولاهم لم يعمل، وهذا باسم الشرك [الأصغر] أولى.

والثاني: أن يريد وجه الله بعمله، ويتعرض لرؤية الخلق.

والثالث: أن يفر من ذلك كله، لكنه يحب شعورهم برتبته، وهذا هو الرياء الخفي. انتهى.

وعليك أن تكثر من الاستغفار، والضراعة إلى الله تعالى أن يقيك مكايد الشيطان وحبائله.

ولا تلزمك إعادة الصلوات التي صليتها في المسجد، إن سلمت الصلاة نفسها من الرياء.

وإن خرجت إلى المسجد تريد أداء الصلاة التي افترض الله عليك، وأنت مخلص لله تعالى في عملك هذا، فصادف أن لقيت شخصًا ممن تعرفهم -مثلًا-، فأعجبك أن رآك، وأنت من الملتزمين بالصلاة في المسجد، فحاول دفع ذلك الخاطر الذي يعكّر صفو إخلاصك، فإن جاهدت نفسك في دفع ذلك الخاطر، فلا يضرّك -إن شاء الله- ما دام أنك قد أخلصت في أول العمل، جاء في الذخيرة للقرافي: (فرع): قال ابن أبي زيد: قيل لمالك: المصلي لله يقع في نفسه محبة علم الناس به، وأن يكون في طريق المسجد، قال: إن كان أول ذلك لله، فلا بأس. انتهى.

وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: وإن كان أصل العمل لله، ثم بعد الشروع فيه، طرأ عليه خاطر الرياء، ودفعه، لم يضرّ في عبادته، ويتمها صحيحة، بلا خلاف بين العلماء في ذلك. انتهى.

وعلى هذا؛ فصلاتك صحيحة، ولا تلزمك إعادتها.

هذا، وننبهك إلى أمرين اثنين:

الأول: إن كان فعل العبادة لأجل الناس رياء، فإن ترك العمل مخافة أن يتهم المرء بالرياء، شرك، قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. انتهى. فعليك أن لا تحملك مخافة الرياء على ترك صلاة الجماعة الواجبة شرعًا.

الثاني: أنك إن فعلت الخير، فأثنى عليك الناس، ومدحوك، دون أن يكون ذلك هو مقصودك من العمل، فلا شيء عليك إذا فرحت بهذا الثناء، فتلك عاجل بشرى المؤمن، وانظر الفتاوى: 41236، 53324، 60582، 65194.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني