الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الأمّ في ترك المندوب والمباح إذا كان ذلك يدخل الحزن في قلب الولد

السؤال

أحسن الله إليكم. أنا شاب عمري 22 سنة، وأعاني من اكتئاب نفسي بسبب أمّي، فهي غضبت عليّ كثيرًا منذ التزامي، ولا أقصد بذلك الفرائض، فلا يجوز تركها، ولو نهتني أمّي، وإنما أقصد النوافل، أو المباحات المتعلقة بحياتي الخاصة، فأنا لا أرى طاعة الوالدين في ترك النافلة، إذا كان الدافع لأمرهما الجهل، أو الرِّقة في الدِّين، لكن مع هذا كله أحاول أن لا أظهر أعمالي أمامهما، وأداريهما، قدر استطاعتي.
من الأمور التي تضايقني كثيرًا بها هي: أمرها بترك بعض المباحات المتعلقة بحياتي الخاصّة، كاللباس، وغيره، وكثيرًا ما أحاول أن أنزل عند رغباتها؛ كأن أترك الملابس التي أحبّها، وألبس اللباس الذي أكرهه وأستحيي من لبسه؛ كالبناطيل، وغيرها، حتى أتجنّب غضبها، لكني لاحظت أنني كلما نزلت عند رغباتها يزيد حزني واكتئابي، وما أدري هل هذا صحيح أو وهم.
وقد عرضت مشكلتي على شيخ، فأخبرني أنني حساس، وأنه ينبغي عليّ أن أترك هذه الحساسية الزائدة، فلا يكلفني الله بغضبها، وحزنها، فهل هذا صحيح؟ وهل يمكن أن يعاقبني الله على غضب أمّي، وحزنها، وإدخال القلق عليها؛ بسبب اختياراتي في حياتي الخاصة؛ سواء كانت نوافل أو مباحات؟
وغالبًا ما أنسب المصائب، والابتلاءات، والهموم، والقلق الذي يصبني، وقد بليت أيضًا بشيء من الحرام، فأنسب كل ذلك إلى ما فعلت بأمّي، ودائمًا أفتّش نفسي، ولا أجد ذنبًا قد يكون هو السبب لذلك؛ إلا وهو متعلق بوالدي.
وهذه الابتلاءات أتت بعد سنة غضبت أمي عليّ كثيرًا، وأقول: إن الله يريد أن يبين لي أنني عاقّ، فمن الناس من تنزل عليه المصيبة؛ لكي يرجع إلى ربه، كما قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فهل أنا عاق؟ وبماذا تنصحونني؟ فأنا لا أشكّ أن أمّي تفعل بي هذا كله؛ لأنها تحبّني، وتحرص عليّ، وإن كانت على خطأ، وأستحيي أن أخبرها بحالي، ولو علمت ما يجري عليّ من هموم بسببها؛ لتركت ما تفعل، والله أعلم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحقّ الأمّ على ولدها عظيم، وبرّها، والإحسان إليها من أفضل الأعمال، وأرجاها ثوابًا، وأعظمها بركة.

وطاعة الأمّ واجبة فيما ينفعها، ولا يضرّ ولدها، ما دام الأمر في حدود الشرع، والعرف.

ولو أمرت بترك المندوب، وجبت طاعتها، إذا كان لها غرض صحيح في ذلك، وإلا فلا تجب، وراجع حدود طاعة الوالدين في الفتوى: 76303، والفتوى: 272299.

فإذا بذلت وسعك في استرضاء أمّك، وقمت بما يجب عليك من برّها، وطاعتها في المعروف؛ فلا تكون عاقًّا لها، ولا يضرّك بعد ذلك عدم رضاها عنك.

فالذي ننصحك به أن تداوم على برّ أمّك، والإحسان إليها؛ ابتغاء وجه الله، وتطيعها في المعروف فيما لا يضرّك.

ولا حرج عليك في إخبارها بما يشقّ عليك من الأمور التي تطلبها منك؛ حتى لا تشقّ عليك.

وسدّد، وقارب، ولا تكلف نفسك ما لا تطيق، وأحسن ظنّك بربّك، وأكثر من ذكره، ودعائه؛ فإنّه قريب مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني