الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقسيم الأم مالها بين أولادها في حياتها... رؤية شرعية

السؤال

نحن ثماني إخوة؛ 2 ذكور، و 6 إناث، والدتي طبيبة، وأبي متوفى. قبل 22 سنة أي عام 1998 كان عندي مال، وأردت أن أشتري منزلا، وكانت اثنتان من أخواتي تريدان إكمال بناء بيتهما، فقالت لي والدتي: أعط إخوتك حصتهم من البيت؛ حيث إن البيت باسم والدتي، وقدرت البيت في وقتها ب (15000000) خمسة عشر مليون دينار، وقالت إن حصة كل من البنات هي (1500000) مليون ونصف، وحصة الذكور هي (3000000) ثلاثة ملايين،(حيث إننا عشرة أسهم) وبموافقتهم.
وبالفعل تم إعطاؤهم النقود، وأكملوا بناء بيوتهم، وأصبحت حصتهم من البيت لي، وبموافقتهم وموافقة الوالدة.
قبل فترة نهاية سنة 2019 اتصلت بي الوالدة، وقالت إنها سمعت في إحدى القنوات والبرامج والفتاوى أنه لا يجوز أن يقسم الشخص أمواله على ورثته، وهو حي، فقالت: اسأل لي عن مخرج لهذا الأمر، وهل صحيح أنه لا يجوز أن تهب الوالدة أموالها لورثتها وهي على قيد الحياة، حتى لو كانت قسمة شرعية، وإذا كان الجواب بالنفي، فما هو الحل الشرعي للأمر؟ حيث إن سعر البيت الآن هو ( 150000000 ) مائة وخمسون مليون دينار، يعني عشرة أضعاف السعر القديم.
نرجو الجواب لتطمئن الوالدة أولا، ولكي لاتضيع الحقوق ثانياً، مع العلم أن الأختين ليس لديهما أي اعتراض على هذا الأمر لحد الآن.
مع الشكر الجزيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يجوز للأم أن تهب أولادها، وتقسم مالها بينهم في حياتها، ما دامت تعدل بينهم في القسمة، وكانت القسمة على وجه التمليك في الحياة، لا على وجه الوصية بعد الموت.

جاء في الإنصاف للمرداوي: لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده. على الصحيح من المذهب. قدمه في الفروع. وقال: نقله الأكثر. وعنه: يكره. قال في الرعاية الكبرى: يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له. وقطع به. وأطلقهما الحارثي. ونقل ابن الحكم: لا يعجبني فلو حدث له ولد سوى بينهم ندبا. قال في الفروع: وقدمه بعضهم. وقيل: وجوبا. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: أعجب إلي أن يسوى بينهم. واقتصر على كلام الإمام أحمد - رحمه الله - في المغني، والشرح. قلت: يتعين عليه أن يسوي بينهم. اهـ.

وفي كشاف القناع: (ولا يكره) للإنسان (قسم ماله بين وراثه) على فرائض الله تعالى (ولو أمكن أن يولد له) لأنها قسمة ليس فيها جور فجازت في جميع ماله كبعضه (فإن حدث له وارث) بعد قسم ماله (سوى بينه وبينهم) بما تقدم (وجوبا) ليحصل التعديل. (وإن ولد له) أي: لمن قسم ماله بين وراثه في حياته (ولد بعد موته استحب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه) لما فيه من الصلة، وإزالة الشحناء. اهـ.

وقال الهيتمي: إذا قسم - الأب - ما بيده بين أولاده، فإن كان بطريق أنه ملك كل واحد منهم شيئاً على جهة الهبة الشرعية المستوفية لشرائطها جاز ذلك، وملك كل منهم ما بيده لا يشاركه فيه أحد من إخوته، وإن كان ذلك بطريق أنه قسم بينهم من غير تمليك شرعي، فتلك القسمة باطلة، فإذا مات كان جميع ما يملكه إرثاً لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. اهـ. باختصار من الفتاوى الفقهية الكبرى.

وسئل ابن عثيمين: هل يجوز للرجل أن يوزع ماله على ورثته وهو حي حسب القسمة الشرعية؟

فأجاب: قال أهل العلم: إنه يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته على حسب الميراث الشرعي ولو كان حيا. وقال أيضا: قسمة ماله بين أولاده لا حرج عليه فيها ما دامت القسمة على مقتضى العدل بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين. اهـ. من فتاوى نور على الدرب.

وبناء على ما تقدم: فالظاهر أن الوالدة قد ملكتكم بيتها، ثم اقترحت عليك تلك الخطة التي ذكرت، فإن كان الأمر كذلك - وهو أمر يمكن التحقق منه لكون الوالدة لا تزال حية -فلا تثريب على والدتك في صنيعها.

ولو فرضنا جدلا أنك قد فضلت، وخصصت بشيء دون إخوتك، فلا ضير في ذلك ما دام حصل الرضا من أختيك بتلك القسمة عن طيب نفس منهما.

جاء في كشاف القناع: (وله) أي: لمن ذكر من الأب والأم وغيرهما (التخصيص) لبعض أقاربه الذين يرثونه (بإذن الباقي) منهم لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم، وهي منتفية مع الإذن. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني