الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحريم الحيلة لأخذ الطالب زيادة على ما يستحقه من راتب

السؤال

أعيش في بلد أوروبي، وأدرس فيه. ويحصل الطالب هنا على راتب شهري خلال فترة دراسته، ويختلف الراتب بحسب اختلاف سكن الطالب، أي إذا كان الطالب لا يسكن مع أهله يحصل على ضعف راتب الشخص الذي يسكن مع أهله تقريبا، وما فعلته أنا هو أني قمت بتغيير عنوان سكني، والذي هو مع أهلي إلى عنوان آخر؛ للحصول على راتب أكثر (طبعاً يجب أن أدفع لأصحاب العنوان الجديد الذي انتقلت إليه كل شهر، وفي نفس الوقت أشارك مع أهلي بالدفع في المنزل، وأصرف الباقي على نفسي، وأوفر منه للمستقبل). وأعلمتُ مدرستي بأني لا أعيش مع أهلي، وانتقلت من عندهم. ولكني ما زلت أعيش مع أهلي بالطبع، وهذا ما يفعله أصدقائي، ومعظم الطلاب هنا، ولكن أشعر بأن ما فعلته خاطىء، والمال ليس من حقي، وأخاف أن يكون حراما؛ لأني أكذب على المدرسة بقولي إني لا أسكن مع أهلي. علما بأني فعلت هذا الشيء بعد تردد كبير، وتشجيع من أصدقائي، وعائلتي، ورغبة مني في زيادة الراتب. وسألت صديقاتي إذا ما كنَّ يشعرن بالذنب بسبب هذا الشيء، فأجابوني بأنهن يعرفن بأن هذا الشيء خاطىء، ومخالف للقانون، ولكن مضطرات لذلك؛ لأن الراتب لا يكفي، وبالعامية مثلنا مثل باقي الناس. هذا ما يقوله الجميع.
فالسؤال هو هل فعلاً المال الزائد الذي أحصل عليه بعد تغييري لعنواني يعتبر حراما، والأفضل أن أرضى بالمال القليل، وأبحث عن عمل إلى جانب مدرستي بدلاً من هذه الزيادة بالراتب؟ على الرغم أنه من المستحيل أن أجد عملا حيث لا أملك أي خبرة.
أشعر بالحيرة والتردد؛ لأنه لا أحد يشجعني على إرجاع عنواني عند أهلي، وأخاف من إلقاء اللوم عليَّ، والندم إذا شكوت قلة الراتب، وبنفس الوقت أظل خائفة من اكتشاف المدرسة لذلك. أرجو مساعدتكم في هذا الأمر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته في السؤال حيلة محرمة لأخذ ما لا تستحقينه، وما تجدينه في نفسك من حرج دال على أن في قلبك إيمانا وحياة، وقد سأل وابصة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال: ..... استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصة، ثلاثاً، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. أخرجه الدارمي وأحمد عن وابصة.

فاستغفري الله تعالى مما فات، وكفي عنه فيما يستقبل، وبيني للمدرسة أنك تسكنين مع أهلك ليقطعوا تلك الزيادة، ولكن بيني لهم ذلك بطريقة لا تضرك إذا كان إعلامهم بالحيلة السابقة يترتب عليها ضرر وعقوبة تلحقك.

ويمكنك التخلص من مقدار الزيادة التي أخذت سابقا بردها إلى الجهة المسؤولة، ولو بطرق غير مباشرة إن أمكنك ذلك، وإلا فتصرف في المصالح العامة المشتركة بين الناس كالمستشفيات والطرق والمدارس ونحوها.

وأما كون أكثر الناس يفعلون تلك الحيل، فهذا لا يسوغ الوقوع فيها ولا يبيحه. واعلمي - وفقك الله - أن القليل من الناس هم الذين يسلكون طريق الحق، كما قال عز وجل: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سـبأ:13]، وقوله أيضاً: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].
وكم في القرآن من قول الحق سبحانه: وَلَكنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:111]، فلا تستوحشي في سلوك طريق الحق وإن قلَّ سالكوه، ولا تغتري بكثرة الهالكين على طريق الباطل، ولا يصدنك قلة السالكين لطريق الحق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني