الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أداء حقوق الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله ودخول الجنة

السؤال

أرجو أن تجيبوا علي في أسرع وقت؛ لأني أرسلت سؤالا من قبل، وتم الرد بعد 3 أشهر.
سؤالي هو: أبي وأمي طلبتاهم كثيرة جدا جدا لضرورة ولغير ضرورة، ويجعلون الأشياء غير الضرورية ضرورية، والعكس صحيح.
وفضلا عن ذلك يأمرانني بأشياء مثلا أفعلها لإخوتي، وإخوتي قادرون على فعل هذا الشيء الخاص بهم. ويقولون لي: اسمع وأطع فقط، ولا تتكلم، كأنني عبد لديهما. وإذا قلت لهما: عندي أمر ضروري ومهم، يغضبان ويتضايقان لأي شيء.
وأنا في الحقيقة أريد أن ألبي طلبات والدي، وخصوصا أنهما كبيران في السن، ووالدي ما زال يعمل، ولا أحد من إخوتي يساعده إلا قليلا، لأسباب تافهة، للأسف الشديد.
نشأت في أسرة تعاني من اضطرابات نفسية في أغلبية مناحي الحياة من الوالدين إلى الإخوة.
أمر آخر مهم: هو أنني ضاعت علي سنوات الجامعة والدراسة بسبب أنني كنت مدمنا (إدمانا سلوكيا)، دمر حياتي كلها، وها أنا الآن في مرحلة التعافي وما زلت في التعافي، وها أنا أبدأ من جديد في الجامعة. والحمد لله رزقت بعمل راتبه قليل، لكن الحمد لله.
أريد أن أكون إنسانا نافعا في المجتمع، ولدي قدوة في حياتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم. أريد أن أكون مثله في العلم والأخلاق والدفاع عن الإسلام والمسلمين.
وأريد أن أكون مسلما حقا ليس كلاما، وإنما فعلا، لكن الأسف والداي لا يدركان ذلك، وقد تكلمت معهما مرات أني أريد أن أكمل دراستي، وأكون إنسانا جيدا في حياتي، ولكن هيهات ما هي إلا ثوان ثم يعودن إلى ما كانا عليه من الطلبات الكثيرة التي ليس لها داع، وليست ضرورية في الوقت الحالي غير تضييع أوقات علي وعلى دراستي، مع النقد الدائم وعدم فهمهما لي.
هما يريدان أن أكون عبدا لهما فقط، أسمع وأطيع فقط ولا أتكلم، وبدل تشجيعي ومساندتي بعد أن ضاعت سنوات عمري في الإدمان والتشتت والضياع، أصبحا عبئا علي للأسف الشديد، وهما لا يعرفان كل الذي كنت أعاني منه كليا وإنما بعضه.
قلت لهما إن لدي اكتئابا؛ لأن لدي إدمانا محرجا نوعا! وعندما قلت لهما أريد أن أذهب لطبيب نفسي؛ لأني مريض وأريد أن أتعالج من المشكلة التي عندي، قالا لي: لماذا هل أنت مجنون !! لا تذهب لا تذهب.
للأسف هذه نظرتهما للطب النفسي، ولأنهما للأسف من القرن الماضي !! ولكني أصررت على هذا وذهبت، والحمد لله أنا في تحسن بفضل الله.
قررت بعد بحث وقراءة عن هذا الموضوع أن ألبي طلبات والدي الضرورية فقط في حال انشغالي بدراستي وعملي، وفي الوقت الذي لدي ألبي الطلبات الأخرى.
هل قراري صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في عظم حقّ الوالدين، ووجوب برّهما وطاعتهما في المعروف، فالواجب عليك طاعة والديك فيما يأمرانك به من المعروف ولو شقّ عليك ذلك، ما لم يكن عليه فيه ضرر، فلا تجب طاعتهما حينئذ.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
ولا حرج عليك في مواصلة الدراسة مع العمل الذي تتكسب منه، ولو حال ذلك بينك وبين تلبية بعض طلبات والديك غير الضرورية، وراجع الفتوى: 260098
ونصيحتنا لك أن تجتهد في بر والديك والإحسان إليهما، وتحرص على مخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: .. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. [الإسراء:23،24].

وأبشر ببركة برّ والديك، فإنّه من أعظم أسباب رضوان الله ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد. وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني