الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل القرآن صفة لله؟ وكيف نحمله بين أيدينا؟

السؤال

هل المصحف صفة لله؟ وإن كان كذلك، فكيف نحمل صفة الله بين أيدينا؟ وقد قرأت الفتاوى المشابهة، ولكنني لم أفهم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الكلام صفة للمتكلم، ومهما سمعه غيره، أو حفظه، أو كتبه، أو أعاد النطق به؛ فإن الصفة لا تنتقل عن المتكلم الأول، ولا تحل بالغير.

ومثال ذلك: إذا كنت تحفظ حديث: إنما الأعمال بالنيات. مثلًا، وتكتبه في كتاب، وتقرؤه، فإنك تقول: هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم به حقيقة، ومع ذلك هو في صدرك، وفي الكتاب، وتتكلم به.

ولا يعني هذا أن صفة الكلام التي اتصف بها النبي صلى الله عليه وسلم، قد حلت في صدرك، أو كتابك، أو انتقلت إلى لسانك؛ ولهذا قال من قال من أهل السنة: الكلام ينسب حقيقة إلى من قاله مبتدئًا، لا لمن قاله مبلغًا، أو مؤديًا.

فكلام الخالق سبحانه غير مخلوق، فإن أدّاه المخلوق تلاوة أو كتابة، كان أداؤه مخلوقًا، وبقي الكلام المسموع أو المكتوب على صفته، من كونه كلام الله غير مخلوق، قال ابن تيمية: وأما قول القائل: تقولون: إن القرآن صفة الله، وإن صفات الله غير مخلوقة. فإن قلتم: إن هذا نفس كلام الله، فقد قلتم بالحلول، وأنتم تكفرون الحلولية والاتحادية. وإن قلتم غير ذلك، قلتم بمقالتنا.

فإن منشأ الشبهة أن قول القائل: هذا كلام الله، يجعل أحكامه واحدة، سواء كان كلامه مسموعًا منه، أو كلامه مبلغًا عنه...

وكذلك قول القائل: "هذا نفس كلام الله"، و"عين كلام الله"، و"هذا الذي في المصحف هو عين كلام الله، ونفس كلام الله"، وأمثال هذه العبارات.

هذه مفهومها عند الإطلاق في فطر المسلمين، أنه كلامه لا كلام غيره، وأنه لا زيادة فيه ولا نقصان؛ فإن من ينقل كلام غيره، ويكتبه في كتاب، قد يزيد فيه وينقص، كما جرت عادة الناس في كثير من مكاتبات الملوك، وغيرها، ولا يريدون أن هذا هو صوته وحركاته، وهذا لا يقوله عاقل، ولا يخطر ببال عاقل ابتداء، ولكن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، يلجئ أصحابه إلى "القرمطة" في السمعيات، و"السفسطة" في العقليات.

ولو ترك الناس على فطرتهم؛ لكانت صحيحة سليمة، فإذا رأى الناس كلامًا صحيحا، فإن من تكلم بكلام وسمع منه ونقل عنه أو كتبه في كتاب، لا يقول عاقل: إن نفس ما قام بالمتكلم من المعاني التي في قلبه، والألفاظ القائمة بلسانه فارقته وانتقلت عنه إلى المستمع والمبلغ عنه، ولا فارقته وحلّت في الورق؛ بل ولا يقول: إن نفس ما قام به من المعاني والألفاظ هو نفس المداد الذي في الورق؛ بل ولا يقول: إن نفس ألفاظه التي هي أصواته هي أصوات المبلغ عنه.

فهذه الأمور كلها ظاهرة، لا يقولها عاقل في كلام المخلوق إذا سُمع وبُلغ، أو كتب في كتاب.

فكيف يقال ذلك في كلام الله الذي سمع منه وبلغ عنه، أو كتبه سبحانه، كما كتب التوراة لموسى، وكما كتب القرآن في اللوح المحفوظ، وكما كتبه المسلمون في مصاحفهم؟ اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

وراجع لمزيد الفائدة، الفتاوى: 238036، 245443، 349888.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني