الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاختيار عند الاحتيار في انتقاء الزوجة

السؤال

أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري، ولدي مشكلة كبيرة في اختيار الزوجة، لا أعرف كيف أختار زوجة تناسبني. محتار كثيرا في هذا الأمر، ولا أعلم ماذا أفعل. هل يجب مثلا عند الرؤية الشرعية للمخطوبة أن أشعر بشيء ناحيتها أم لا؟ وإن كان لا، فما معنى الحديث الشريف: يؤدم بينكما. لأن أمامي الكثير من الفتيات المتدينات، وعندما أراهن لا أشعر بشيء ناحيتهن، وقد لا يعجبنني في الشكل كثيرا، وأحيانا أقول يمكن أتغاضى عن الجمال بعض الشيء، وأنظر إلى الدين والخلق، لكني أخاف أن أظلمهن معي، وبالتالى لا أتقدم لهن.
والمسألة بالنسبة لي ليست مسألة جمال فقط، إنما هي مسألة القبول والراحة النفسية من المرة الأولى. فهل هذا صحيح أم لا؟ وهذا قليل ما شعرت به نحو بعض الفتيات، وتقدمت لهن، لكن لا يحدث نصيب.
ساعدوني؛ لأني أريد أن أعف نفسي، فلدي فراغ كبير في قلبي، وقد ابتليت مرتين بالتعلق بالنساء، وكنت في حالة يرثى لها، لكني كنت أعود إلى الله حتى يخرجني من تلك الحالة البغيضة التي أكرهها. وأحيانا كنت أقول في نفسي أني مخطئ؛ لأني لم أصادق فتيات في حياتي، وأنا في حياتي لم أفعل مثل أقراني من مصاحبة الفتيات، والتودد لهن، أو الحديث معهن، حتى مع العلم أني شخص رياضي ووسيم، وأرى نظرات إعجاب من الفتيات دائما نحوي، وكلما مللت من التفكير في أمر الزواج؛ أقول إن هذا بسببي؛ لأني أضعت الكثير من الفرص، ولم أتحدث مع الفتيات؛ لأعرف شخصياتهن، وبالتالي هذا ما جعلني محتارا في اختيار الزوجة.
وأحيانا تشتد علي الشهوة، فأمارس العادة السرية؛ لكسر شهوتي؛ لأن حالتي النفسية تكون سيئة، فحياتي الآن تتمحور بين شقين: إما أن أعيش غافلا، وأكون متقطعا في صلاتي، وأمارس العادة السيئة؛ حتى أنسى فكرة الزواج؛ لأنها تؤرقني، وإما أن أتوب من كل هذا، وأعود إلى الله، وهذا دائما ما أحاول أن أفعله؛ لكني لا أستمر؛ لأن الصبر على شيء لا تعرف متى قد يأتيك شيء صعب.
ادعوا لي بالهداية، وانصحوني نصيحة لوجه الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى لنا ولك الهداية إلى الصراط المستقيم وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى. والواجب عليك المبادرة إلى التوبة من العادة السرية، ويسميها الفقهاء بالاستمناء، وسبق بيان أدلة تحريمها وأضرارها في الفتوى: 7170.

والسعي في سبيل الزواج والمبادرة إليه من أفضل السبل لإعفاف النفس وقضاء الشهوة، بل هو واجب في حق من يخشى على نفسه الفتنة، كما هو موضح في الفتوى: 3011.

وقد أحسنت باجتهادك في هذا السبيل. وسبق أن بينا كيفية اختيار الزوجة في الفتوى: 8757. وقد أوضحنا فيها مشروعية الخطبة، ومن أهم مقاصدها أن يكون التوافق بين الزوجين، وقبول كل منهما للآخر، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه الحديث: فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله (فإنه) أي النظر إليها (أحرى) أي أجدر وأولى والنسب (أن يؤدم بينكما) أي بأن يؤلف ويوفق بينكما. اهـ. وهو يفيد أن قبول القلب للمخطوبة مطلوب، ولكن قد لا يلزم أن يحدث ذلك لأول وهلة، وذلك ذكر أهل العلم أنه لا بأس بتكرار النظر للمخطوبة عند الحاجة لذلك، كما سبق بيانه في الفتوى: 149361.

ومن أهم ما ينبغي أن يكون محل نظر الرجل دين المرأة، فهو المقدم على غيره عند التعارض، وهذا لا يعني أن لا يراعي بقية الأوصاف التي تبتغى في الزوجة من الجمال وغيره، ولكن من غير غلو في ذلك مما يجعل الأمر عسيرا، وهو ما أشرنا إليه في الفتوى المحال عليها أخيرا. فاحذر التردد والوساوس في هذا الجانب، وإلا فستظل حياتك باحثا عن مخطوبة، ولن تجدها.

واعلم أن ما يعينك على التوفيق في الزواج أن تستخير الله عز وجل في المرأة التي تريد الزواج منها، وما يختاره الله لك فإنه فيه الخير؛ لأنك فوضت إليه أمرك سبحانه، وراجع في الاستخارة الفتوى: 19333، والفتوى: 123457.

ولو قدر بعد ذلك أن وقع الطلاق، فليس في ذلك بمجرده ظلم للمرأة؛ لأن الطلاق مباح، وخاصة إذا دعت إليه حاجة، بل قد يكون فيه خير للزوجين عند استحالة العشرة بينهما، كما قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، وراجع الفتوى: 415477.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني