الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رسم البورتريهات للحيوانات وشراؤها

السؤال

ما حكم شراء رسومات الحيوانات من الرسامين، ووضعها على غلاف الكتب وبيعها؟ وهل المشتري لهذه الصور، يندرج ضمن حكم المصورين المتوعدين بالعذاب؟ مع العلم أن الأزهر والإفتاء أجابوا قائلين: إن رسم البورترية يكون على نوع الرسمة، بحيث إذا كان البورتريه لشخص، أو منظر طبيعي، أو شيء مباح، فرسم البورتريه جائز، ولا مانع فيه.
وأضاف أنه إذا كان البورتريه يعبّر عن شيء به عري، أو خلاعة، أو يحض على الفجور، فإن رسم البورتريه يكون غير جائز شرعًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن رسم ما يسمى بالبورتريه للحيوانات، لا يخرج عن عموم حكم رسم ذوات الأرواح، كما سبق في الفتوى: 227053.

فإن كان الرسم لحيوان تام الخلقة، فجمهور العلماء على أنه محرم من حيث الأصل، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: مذهب المالكية جواز صناعة الصور المسطحة مطلقًا، مع الكراهة. لكن إن كانت فيما يمتهن، فلا كراهة، بل خلاف الأولى. وتزول الكراهة إذا كانت الصور مقطوعة عضو لا تبقى الحياة مع فقده.

ومن الحجة لهذا المذهب ما يلي:

(1) حديث: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، إلا رقمًا في ثوب)، فهذا الحديث مقيد، فيحمل عليه كل ما ورد من النهي عن التصاوير، ولعن المصورين.

(2) حديث أبي هريرة مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة.
ووجه الاحتجاج به: أن الله تعالى لم يخلق هذه الأحياء سطوحًا، بل اخترعها مجسمة.

(3) استعمال الصور في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم أنها جعلت الستر مرفقتين، فكان يرتفق بهما، وفي بعض استعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدنانير الرومية والدراهم الفارسية وعليها صور ملوكهم، ولم يكن عندهم نقود غيرها إلا الفلوس.

القول الثاني: إنها محرمة، كصناعة ذوات الظل. وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، ونقل عن كثير من السلف. واستثنى بعض أصحاب هذا القول الصور المقطوعة، وأشياء أخرى.

واحتجوا للتحريم بإطلاق الأحاديث الواردة في لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين، وأن المصور يعذب يوم القيامة بأن يكلف بنفخ الروح في كل صورة صورها. خرج من ذلك صور الأشجار، ونحوها مما لا روح فيه، فيبقى ما عداها على التحريم.

قالوا: وأما الاحتجاج لإباحة صنع الصور المسطحة باستعمال النبي صلى الله عليه وسلم الوسادتين اللتين فيهما الصور، واستعمال الصحابة والتابعين لذلك؛ فإن الاستعمال للصورة حيث جاز لا يعني جواز تصويرها؛ لأن النص ورد بتحريم التصوير، ولعن المصور، وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصورة. وقد علل في بعض الروايات بمضاهاة خلق الله، والتشبيه به؛ وذلك إثم غير متحقق الاستعمال. اهـ. باختصار.

وإن كانت الصورة ناقصة الخلقة عضوًا لا تتم الحياة دونه -كرسم الرأس وحده مثلًا- فكثير ممن يرون تحريم الصور التامة يستثنونها من التحريم، جاء في المغني لابن قدامة: فإن قطع رأس الصورة، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس، فليس بصورة. وحكي ذلك عن عكرمة.

وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل، فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع، فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه، كصدره، أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي؛ لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس. وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده، كالعين، واليد، والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي.

وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان. اهـ.

ومتى كانت الصورة محرمة، لم يجز شراؤها، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أما الصور المحرمة صناعتها؛ فإنها على القاعدة العامة في المحرمات، لا تحل الإجارة على صنعها، ولا تحل الأجرة، ولا الإعانة على ذلك.

وأما ما يحرم اقتناؤه واستعماله، فلا يصح شراؤه، ولا بيعه، ولا هبته، ولا إيداعه، ولا رهنه، ولا الإجارة على حفظه، ولا وقفه، ولا الوصية به، كسائر المحرمات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام. اهـ.

وكذلك الصور المحرمة، لا يجوز استعمالها، إلا على وجه تمتهن فيه، كما سبق في الفتوى: 287905.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني