الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تعامل الولد في حق أبيه المفرط في حقوقه

السؤال

أنا شاب لدي مشاكل مع أبي، وأنا الآن قاطع صلتي به. أبي متزوج من ثلاث نساء، أمي هي الثانية، وأنا ابنها الوحيد، والأولى لديها خمسة أبناء وبنت. اثنان أكبر مني، وتوفي أحدهم، وهي مطلقة الآن، ووالدتي أيضا مطلقة الآن، والثالثة عنده الآن، ولديه منها ولدان وبنت.
لكن مشكلتي الكبيرة هي أن أبي قد طلق والدتي منذ أن كنت جنينا في بطن أمي، فذهبت أمي بعد طلاقها إلى أخوالي، وولدت أنا عند أخوالي، وربيت وكبرت بينهم بدون أن أعرف أبي، ولم أره حتى صار عمري 12 سنة، رأيته في المحكمة في قضية النفقة، فعندما علمت أنه سوف يأتي إلى المحكمة أردت أن أعرفه، وكيف أعرفه، وأنا لم أره في حياتي، وهو أبي.
فكان أي شخص يدخل المحكمة أقول لخالي وأمي: أهذا أبي؟ فيجيبونني: لا، انتظر، لم أكن أريد رؤيته شوقا، لكن حقدا وبغضا وكرها على فعلته، أيترك جنينا في بطن أمه، ويطلقها، ولم يعرف أين، وماذا سيكون مصيره.
المهم عندما جاء قال لي خالي هذا أبوك، وعندما رأيته لأول مرة، وتملأ وجهه الخسة والنذالة زاد كرهي، وبغضي له أكثر فأكثر. هذا ما شعرت به اتجاهه، وإلى هذه اللحظة، وعمري الآن 32 سنة، بعدها درست وكبرت عند أخوالي، ولم يجعلوني أحتاج ذرة شيء في حياتي، ووظفوني أخوالي -بفضل الله أولا- في إحدى دوائر الدولة، ولم أحتجه، ولم يسأل عني طوال هذه السنين. فعقله مشغول بالنساء، والزواج، وتطليق النساء، ثم تزوجت أنا، وصار عندي بفضل الله أطفال؛ ابنان وبنت، وهو لم يرهم لهذه اللحظة.
حاولت وصاله عندما كنت بين سن الخامسة عشر والعشرين، فلم يرأف قلبي له، ولم أحس للحظة بحنيته وعطفه، فقلبي من ناحيته مجرد هباء. ماذا يستطيع أن يفعل بعد تلك الفعلة المشينة التي فعلها بتركي جنينا، حاول كسب ودي ببعض المال القليل القليل جدا عندما بلغت العشرين من عمري. ماذا ينفعني ماله حينها. ألم يسأل كيف كبرت؟ كيف درست؟ كيف عشت؟ كيف أكلت وشربت؟ ألا يعتبر هذا الأب ظالما؟
أنا الآن لدي أب، لكن هو والميت سواء، بل الموتى أرحم. المرات التي رأيته فيها تعد على عدد الأصابع أهذا أب؟
فما حكم قطع صلتي به ؟ أكثر شيء يؤلمني عندما كنت صغيرا يقولون لي من أبوك ؟ فأقول ظهرت من فطر الأرض.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن المناسب أن ترسل سؤالك هذا إلى قسم الاستشارات بموقعنا على الرابط:

https://islamweb.net/ar/consult/

وما يمكننا قوله هنا هو أن الخلاف بين الزوجين من الأمور التي تحدث كثيرا، وقد يصل الأمر إلى أن تستحيل العشرة بينهما، ويكون الطلاق هو الحل والأفضل، وقد تكون مصلحة الطلاق مرجوحة أحيانا، ويكون الصبر هو الأفضل.

وإن حصل وأن تفرقا فقد يقدر الله سبحانه - بعد الفراق- لكل منهما خيرا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}. قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله. فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

ولكن لا يجوز أن يجعل الوالدان أو أي منهما هذا الطلاق نقمة على الولد، فإن لم يقم والدك بما يجب عليه تجاهك من النفقة والرعاية، فلا شك في أنه قد فرط في ذلك تفريطا عظيما. روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وهو قد ظلمك. ولا حرج عليك فيما وقع في قلبك من الشعور بالكره له، فلا مؤاخذة عليك في مثل هذا؛ لأن هذا لا اختيار لك فيه، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.

وتفريطه في حقك كأب لا يعني أن تفرط أنت في حقه، فقد أعلى الله من شأن الوالدين، وقرن حقهما بحقه، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وأمر بالإحسان إليهما مهما كان فيهما من السوء وما صدر عنهما من الشر، كما قال الله سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا....الآية {لقمان:15}.

وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا فقال: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. اهـ.

وتعلم من هذا أنه لا يجوز لك أن تقصر في حق أبيك بأي تقصير -وإن قل- فضلا عن أن تقطع صلتك به تماما، فاعمل على صلته بكل ما هو ممكن مما يعد صلة عرفا، واصبر واحتسب الأجر من الله تعالى، وبره عسى أن يبارك الله بسبب ذلك في أولادك فيبرونك، قال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}، وراجع الفتوى: 105707.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني