الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انكشاف شيء يسير من العورة في الصلاة

السؤال

أبلغ من العمر 18 عامًا، وبلغت منذ كان عمري 12 سنة حسب ما أذكر، وغالب ذاك الوقت كنت أصلي، فينكشف شيئًا من ساقي، ويدي، ورجلي، خصوصًا في بداية بلوغي، وكنت مرات أصلي بأيِّ شيء، ولو كان بطانية، فهل أعيد صلواتي كلها؟ وأنا الآن أصلي بالثوب السوداني، وعندما أُكبِّر يظهر جزء من يدي فوق الكف دون قصد، مع أني أعلم أن المرأة يجب عليها أن تغطي كل شيء إلا كفيها، ووجهها، لكن ما حدث وأنا صغيرة أظنني كنت عندها جاهلة، أو متساهلة، لا أذكر، وكنت أعرف أنه من الخطأ الصلاة بالبطانية، وكنت أعرف أن عورة المرأة كلها ما عدا وجهها وكفيها فقط، لكني لم أعلم أن صلواتي تبطل بذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن من فعل مبطلًا من مبطلات الصلاة، أو ترك ركنًا، أو شرطًا جاهلًا؛ فإنه لا تلزمه الإعادة، وهذا القول نصره شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدل على ذلك بعدة أحاديث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بإعادة ما مضى من صلوات، وقال: وَالصَّحِيحُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15]، فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ أَمْرُ الرَّسُولِ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ وَعَمَّارًا لَمَّا أَجْنَبَا، فَلَمْ يُصَلِّ عُمَرُ، وَصَلَّى عَمَّارٌ بِالتَّمَرُّغِ أَنْ يُعِيدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ أَبَا ذَرٍّ بِالْإِعَادَةِ لَمَّا كَانَ يَجْنُبُ، وَيَمْكُثُ أَيَّامًا لَا يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَبْلُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْحَبْلِ الْأَسْوَدِ بِالْقَضَاءِ، كَمَا لَمْ يَأْمُرْ مَنْ صَلَّى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ بُلُوغِ النَّسْخِ لَهُمْ بِالْقَضَاءِ. اهــ.

فيسعك -أختي السائلة- الأخذ بهذا القول.

ولا يلزمك إعادة شيء من تلك الصلوات التي فعلت فيها ما يبطلها، لا سيما إذا كنت تعانين من شيء من الوسوسة، كما قد يفهم من سؤالك، وانظري الفتوى: 125010.

ثم إن انكشاف شيء يسير من العورة عن غير عمد، لا تبطل به الصلاة في المفتى به عندنا، قال شيخ الإسلام: إذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ شَعْرِهَا وَبَدَنِهَا، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الْإِعَادَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَد. اهــ.

ومع العمد تبطل الصلاة، وقال بعض الفقهاء: لا تبطل بالعمد في اليسير، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: قَوْلِهِ: "إذَا انْكَشَفَ" أَنَّهُ إذَا انْكَشَفَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ. أَمَّا لَوْ كُشِفَ يَسِيرٌ مِنْ الْعَوْرَةِ قَصْدًا، فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني