الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين قول ابن تيمية: السيئة تحتمل في دفع ما هو أسوأ منها، وقاعدة الغاية لا تبرر الوسيلة

السؤال

كيف يمكن الجمع بين قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، وذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين) وبين (الغاية لا تبرر الوسيلة)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في تحمل السيئة لدفع ما هو أسوأ منها، وقاعدة الغاية لا تبرر الوسيلة، وذلك أن القواعد لها استثناءات دائما، وإنما يكون لفظها بحسب الأغلب الأعم. فقاعدة الغاية لا تبرر الوسيلة المحرمة من تطبيقاتها من يسرق ليتصدق بالسرقة، أو من تزني لتطعم الأيتام، فهنا لا تباح السرقة، ولا الزنى، وإن كانت الغاية محمودة، لكن توصل إليها بمفسدة أعظم، وقد تبرر الغاية المحمودة الوسيلة المحرمة، فالكذب محرم، لكنه إذا كان وسيلة لمصلحة أعظم لا يتوصل إليها إلا به، أو لدفع مفسدة أعظم لا تندفع إلا به، فإنه يباح، بل قد يتعين حينئذ، وهنا تكون الغاية بررت الوسيلة.

يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب. اهـ

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب. اهـ

وهكذا الغيبة فهي محرمة، وقد تباح، قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الأصل في الغيبة الحرمة؛ وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي، لا يتوصل إليه إلا بها. ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة، ومنها قوله:

الرابع : تحذير المسلمين من الشر، ونصيحتهم كجرح الرواة، والشهود، والمصنفين، والمتصدين لإفتاء، أو إقراء مع عدم أهلية، أو مع نحو فسق، أو بدعة، وهم دعاة إليها، ولو سرًّا، فيجوز إجماعا بل يجب.

وكأن يشير -وإن لم يستشر- على مريد تزوج، أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي، وقد علم في ذلك الغير قبيحا مُنَفِرًا كفسق، أو بدعة، أو طمع، أو غير ذلك، كفقر في الزوج.....

الخامس : أن يتجاهر بفسقه، أو بدعته؛ كالمكاسين، وشربة الخمر ظاهرا، وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما تجاهروا به دون غيره، فيحرم ذكرهم بعيب آخر، إلا أن يكون له سبب آخر مما مر. انتهى.

وهذا هو مقتضى كلام شيخ الإسلام، فالأصل كون السيئة محرمة ممنوعة، لكنها قد تحتمل استثناء. يقول -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى: (20/ 53) (... فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها، إذا لم تدفع إلا بها، وتحصل بما هو أنفع من تركها، إذا لم تحصل إلا بها، والحسنة تترك في موضعين إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها؛ أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة. هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية....".

وبالتالي فالقواعد دائما لها استثناءات، حتى القواعد الكلية الكبرى، ونحيلك على كتاب: "القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة" للشيخ وهبة الزحيلي -رحمه الله تعالى- فقد تعرض للاستثناءات في القواعد ليتضح لك ذلك أكثر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني