الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الشؤم من الدار والمرأة

السؤال

لي صديق ضاق به الحال هذه الفترة، من تركه للعمل، وعدم الراحة النفسية والمادية، ويعتبر غير مرتاح مع أهله، وتوجد خلافات بسيطة بدون مبرر خلال آخر ثلاثة شهور، وعنده إحساس أنه لا توجد بركة في أيِّ شيء، والدنيا تضيق عليه أكثر.
مع العلم أنه ملتزم بالصلاة والنوافل، ودائم الدعاء والاستغفار، والصلاة على النبي، واعتاد هذه الفترة على قراءة الرقية الشرعية، مع أذكار الصباح والمساء، لكن ما زالت الراحة النفسية غير متحققة، ويحس بالهموم على صدره، ولا يعرف السبب.
وكما ذكرت أنه ترك عمله، ويبحث عن عمل جديد، وعليه التزامات من أقساط شقة، وارتباط مع خطيبته، وعرفت أنه تعاقد على شقة من أجل الزواج بعد سنتين.
فهل حديث: (الشؤم في العتبة والزوجة والدابة) ممكن يكون هو السبب في هذا؟ خصوصا أن كل الكرب والهمِّ حدث لمَّا تعاقد على الشقة، وهو في مسكنه كان عاديًّا، لكن تعاقد على شقة للزواج، فهل مجرد التعاقد يكون فيه شؤم؟ هل يرجع الشقة أو يستبدلها؟
أم أن خطيبته أيضا قد تكون السبب؟ فهل ممكن ينفصل عن خطيبته، ويبحث عن أخرى؟ هل الشؤم يكون من مجرد الخطبة أم بعد الزواج؟ فهل من الممكن كون هذه الأمور سبب الشؤم؟ أم ما هو فيه مجرد قضاء وقدر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنحن ننصح هذا الرجل أوَّلًا بأن يستمر على ما هو عليه من طاعة الله تعالى، ويزيد من ذلك ما أمكن، ويجتهد في البحث الصادق الجاد عن عمل مناسب، ويكثر من دعاء الله تعالى، والابتهال إليه بأن ييسر أمره، ويفرج كربه.

ثم إن حديث الشؤم في ثلاثة: رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار. والحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وقد اختلف في معناه اختلافا كثيرا، وظاهر كلامهم أن الشؤم في الدار يكون بعد سكناها، فمجرد التعاقد عليها ليس موجبا لحصول هذا الشؤم، وكذا المرأة إنما يكون شؤمها بعد تزوجها.

قال الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي -عَزَّ وَجَلَّ- يُجْرِي الْعَادَةَ فِي دَارٍ أَنَّ مَنْ سَكَنَهَا مَاتَ، وَقَلَّ مَالُهُ، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِ الرَّزِيَّاتُ وَالْمَصَائِبُ، وَأَجْرَى الْعَادَةَ أَيْضًا فِي دَارٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّارِ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ، أَوْ تَأْثِيرٌ.

وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا تَقْرُبُ وَفَاتُهُ، وَيَقِلُّ مَالُهُ، وَتَكْثُرُ حَوَائِجُهُ، وَأَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، وقال أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها. بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود. انتهى

وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: ومراد الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن نفس هذه الأشياء قد يكون فيها شؤم، فمثلًا: قد يسكن الإنسان الدار، ويضيق صدره، ويقلق، ويتألم من حين يدخلها، أو يشتري المركوب، ويكون فيه حوادث كثيرة من حين اشترى -مثلا- هذه السيارة؛ فيتشاءم منها، ويبيعها، والمرأة كذلك، قد يتزوج المرأة، وتكون سليطة اللسان بذيئة، تحزنه كثيرا، وتقلقه كثيرا، فهذا هو الشؤم الذي يذكر في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-. انتهى

وإذا علمت هذا؛ فلا ينبغي له ترك مخطوبته، ولا ترك الدار التي تعاقد عليها لهذا السبب، وعليه أن يتوكل على الله تعالى، ويلجأ إليه، ويعتصم به، ويسأله التوفيق والتسديد.

وانظر للكلام على شرح حديث: الشؤم في ثلاثة. فتوانا: 143575.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني