الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء الغائب... رؤية شرعية

السؤال

ما الفرق بين دعاء الحاضر ودعاء الغائب؟ وما هي الشروط في دعاء الحاضر ودعاء الغائب؟ يعني هل كل من دعا غائبا يشرك، أم يوجد تفصيل؟
وأيضا شروط دعاء الحاضر ثلاثة، وهي: الحياة، والحضور، والقدرة. إذا سقط شرط أصبح شركا.
وقد سألني أحدهم قائلا: أنتم تكفرون الناس على هذه القاعدة بدون دليل. فأرجو أن توضحوا لي الموضوع.
وما حكم قول: يا علي أو يا حسين، وخاصة أني ناقشي بعضهم، وقالو إن كل الآيات التي تستدلون بها نزلت في عباد الأصنام، وليست فينا؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاستجابة الدعاء، وإغاثة المستغيث، وإجابة الطالب، ونحو هذه الأمور، لا تحتاج فقط إلى القدرة، بل تحتاج قبلها إلى العلم؛ فمن لم يعلم بطلب الطالب وحاله، فكيف يجيبه أو يعطيه؟!

ولذلك فالممنوع بإطلاق هو سؤال غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، وانظر الفتوى: 368023.

وأما ما يقدر عليه غير الله، فيسأل فيه من كان عالما بحال العبد، كالحي الحاضر؛ لأن الغائب -فضلا عن الميت- لا يعلم بحال العبد ومطلبه، وبالتالي فسؤاله يتضمن دعوى علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله.

وأما إن وقع سؤاله بما لا يتعارض مع خصوصية الله -تعالى- بعلم الغيب، فهذا لا يدخل في النهي. كأن يرسل له رسولا يخبره. والآن يكون أحد الشخصين في شرق الأرض والثاني في غربها، ويحصل بينهما اتصال فوري بالصوت والصورة، ويرسل أحدهما للآخر مالا -مثلا- بكبسة زر! فمثل هذا لا علاقة له بسؤال الغائب.

وإذا اتضح ذلك، كان الفرق الواضح بين الحاضر والغائب هو إمكان العلم بحال العبد. وانظر للفائدة، الفتوى: 387100.

وأمر آخر في دعاء الغائب، وهو أنه قد يقع على سبيل الاستغاثة وطلب النفع ودفع الضر، فهذا شرك. وقد يقع على سبيل التوسل، فهذا ليس بشرك ولكنه بدعة مذمومة.

وأما إذا كانت على سبيل الندبة ـ وهي مناداة الميت بذكر محاسنه، وما حصل بفقده ـ فهي جائزة إذا كانت بصدق وحق، وراجع في ذلك الفتاوى: 245242، 4416، 402640.

وهنا ننبه على أن آيات القرآن التي جاءت في ذم المشركين على دعاء الأصنام والأوثان، يصح الاستدلال بها على ذم كل من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن العلة واحدة، وهي النهي عن الشرك بالله.

ومع ذلك فهناك آيات كثيرة عامة ومطلقة في هذا الباب، لا تتعلق بالأصنام، كقوله تعالى: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [يونس: 66] بعد أن قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62 - 63].

وكقوله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106]، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل: 20، 21]، وقوله تعالى: يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [الحج: 12، 13] وقوله سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5 : 6].

إلى غير ذلك من الآيات، ناهيك عن أدلة السنة المطهرة، وهدي الصحابة الكرام.

وراجع في ذلك الفتاوى: 3779، 58219، 137311، 426679.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني