الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يحتاج المتعلّم إلى عالم رباني يعلّمه ويربّيه لينضبط منهجيًّا ويتقن تحصيلًا

السؤال

ما مدى صحة القول التالي: "لا بدّ لك من شيخ عارف بالله يدلك على الله"؟ ولكم الفضل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان المراد أن طالب العلم، والمبتدئ في طريق الخير، يحتاج إلى عالم صالح يوجهه، ويرشده، ويهديه، ويدله على الخير، وطرق تحصيله، فهذا حق لا مرية فيه، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وهم أعلم بالطريق الموصلة إلى الله من غيرهم، والاستفادة منهم، والتلقي على أيديهم أعظم بركة، وأكثر خيرًا، وأبعد عن الزلل، والانحراف من الأخذ من الكتب مباشرة؛ ولذلك أمر الله تعالى بسؤالهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وقال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، لكن لا يجب تقليد عالم بعينه، ولا اتباع شخص مهما كان شأنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نصب للأمة شخصًا يوالي عليه، ويعادي عليه، وأوجب على الناس اتباعه ـ غير نبينا صلى الله عليه وسلم ـ، فقد ابتدع في الدين، واتبع غير سبيل المؤمنين، بل المقلّد يسأل من عنده من أهل العلم، ولا يجب عليه لزوم عالم بعينه، يقلّده في جميع ما يقول.

وإن كان المراد من هذه المقولة: إن الإنسان لا يهتدي إلى معرفة الله، إلا عن طريق شيخ، أو أن مريد الخير يلزمه اتباع شيخ، يكون بين يديه كالميت بين يدي المغسل، فلا يناقشه، ولا يعترض عليه، وليس له اختيار معه، أو كان المراد أن على طالب الهداية أن يلزم شيخًا من مدّعي الولاية، وأرباب الطرق، ولو كان جاهلًا أميًّا، أو مبتدعًا، أو مشعوذًا، فهذا باطل.

فمعرفة الله تعالى أمر فطر عليه الناس، ولا تتوقف الهداية على وجود شيخ، فضلًا عن ملازمته، وكم من أناس فتح الله عليهم من أبواب الخير، والصلاح ما قسم لهم دون وجود هذه الملازمة.

ولم يجعل الله تعالى لأحد غير الأنبياء منزلة أن يطاع فلا يعصى، وأن يؤخذ بقوله في كل شأن، بل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه فيما أشكل عليهم، ويستوضحونه فيما خرج عن مألوفهم، وعادتهم.

وأما أرباب الطرق، ومدّعي الولاية ممن لم يعرف باتباع السنة، وطلب العلم، فهؤلاء لا خير في اتباعهم، ولا في سماع كلامهم، بل صحبتهم داء عضال، وشر، ووبال، وأي خير يرتجى من مصاحبة أهل الجهل، والخرافة! ولهذا قال الجنيد -رحمه الله-: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ولم يكتب السنة ولم يتفقه، فلا يقتدى به. وقال أيضًا: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع سنته، ولزم طريقته، فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه.

فالنجاة كلها في معرفة السنة، واتباعها، ولزوم أهلها العاملين بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني