الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين نمص الحاجبين وتزجيجهما

السؤال

ما الفرق بين نمص الحاجبين وتزجيجهما؟ وما التزجيج المأذون فيه؟ فقد اختلط عليّ الأمر في حرمة استخدام ملقط الحواجب.
لقد قرأت جميع الفتاوى التي تخص النمص في موقعكم -جزاكم الله كل خير-، وأريد التيقن من الأمر؛ حتى لا أقع فيما لا يرضي الله تعالى، وأريد أخذ الفتوى الصحيحة من أهل العلم والمعرفة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبيان معنى التزجيج هو الذي يتبين منه الحكم، قال الخطابي في شرح صحيح البخاري: تَزجيج الحواجب، وهو حذف زوائد الشَّعر، ولَقْط النواجم منه الخارجة عن حَدّ منبَتها. اهـ.

وقال ابن الجوزي في "غريب الحديث"، وتبعه ابن الأثير في "النهاية": ‌تزجيج ‌الْحَاجِب هُوَ: حذف زَوَائِد الشّعْر. اهـ.

والتزجيج بهذا المعنى، لا يخرج عن معنى النمص، وقد نص بعض الفقهاء على أن تزجيج الحاجب تنمص، حيث ذكر زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب ضمن ما تنهى عنه المرأة أثناء حدادها: تسويد الحاجب، وتصغيره. اهـ.

وتصغير الحاجب قال عنه البجيرمي في حاشيته على شرح المنهج: أي: يُجعل صغيرًا، بأن يقلل شعره. اهـ.

وقال سليمان الجمل في حاشيته على شرح المنهج: قوله: (وتصغيره) بالغين المعجمة، لا بالفاء، وهو التزجيج. اهـ. ثم بيَّن علة ذلك، فقال: التزجيج نهيت عنه المحدة؛ لأنه التنميص. اهـ.

فالتزجيج بمعنى أخذ شيء من شعر الحاجب، هو نوع من أنواع التنمص!

وأما إذا كان بمعنى آخر؛ فله حكم آخر، جاء في «لسان العرب»: زَجَّجَتِ المرأَةُ حَاجِبَهَا بالمِزَجِّ: دَقَّقَتْهُ وَطَوَّلَتْهُ. وَقِيلَ: أَطالته بالإِثمد. اهـ.

فإذا أريد بتزجيج الحاجب مجرد تطويله -برسمه بالكحل، ونحوه-، دون أخذ شعر منه، فهذا لا حرج فيه؛ فإن رسم الحاجب بالكحل ونحوه ليس من الوشم المحرم، ولا علاقة له بالنمص، وراجعي في ذلك الفتويين: 29571، 32442.

هذا فضلًا عن مجرد جمع شعر الحاجب وتسويته وتثبيته بدهن ونحوه؛ حتى لا يتشعث ويتفرق، فلا حرج في ذلك أيضًا، قال الدكتور محمد جبل في «المعجم الاشتقاقي المؤصل»: المنطقي أن تكون بداية التزجيج هي دفع شعر الحاجب المشعث إلى وسطه؛ حتى يَدِقَّ عَرْضه، ويبدو طويلًا، ثم استحدثوا (النتف) بعد. اهـ.

فهذا النتف الذي استُحدث لاحقًا، هو النمص بعينه.

وننبه هنا على أمرين:

الأول: أن وصف الزجج يكون خلقة في بعض الناس، وقد روي في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان: أزج الحواجب سوابغ في غير قرن. وانظري الفتوى: 51979.

وجاء في «لسان العرب»: الزَّجَجُ: رِقَّة مَحَطِّ ‌الْحَاجِبَيْنِ، وَطُولُهُمَا، وسُبُوغُهما، واسْتِقْواسُهُما. وَقِيلَ: الزَّجَجُ دِقَّة فِي ‌الْحَاجِبَيْنِ وطُولٌ. اهـ.

وقال الشحاري في «منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول»: (أزجّ الحواجب) بمعنى: مقوّس ‌الحاجبين، مع وفور الشعر وطوله في طرفه وامتداده، أو دقيقهما مع طول؛ لأن الزّجج- بزاي وجيمين محرّكة-: استقواس ‌الحاجبين مع طول؛ كما في «القاموس». أو دقّة ‌الحاجبين مع سبوغهما إلى مؤخّر العين؛ كما في «الفائق». وإنّما قيل: «أزج الحواجب» دون «مزجّج الحواجب»؛ لأن الزجج خلقة، ‌والتزجيج صنعة. اهـ.

وهذه الصنعة، هي النمص المنهي عنه، إذا كانت بإزالة شيء من الشعر.

والأمر الثاني هو: خطأ تخصيص النمص بإزالة شعر الحاجب بأكمله (استئصال الحاجب)، والتزجيج بإزالة بعضه (تهذيب الحاجب وتدقيقه)، فهذا التفريق لا يستند: لا إلى دليل شرعي، ولا إلى استعمال لغوي. وراجعي للفائدة الفتاوى: 413584، 136339، 134126.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني