الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يبلغ المرء بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل

السؤال

أنا طالبة ثانوية عامة، ولم يبق عليها إلا شهران، ومشكلتي في رمضان، فأنا لا بد لي من قضاء كثير من الوقت في المذاكرة، وهذا ما سيمنعني من أداء الطاعات، كما يجب، فمثلًا لا يمكنني ختم القرآن أكثر من مرة، وهذا ما يحزنني، وكذلك أجد صعوبة في الموازنة بين قيام الليل والمذاكرة؛ فأنا أفضّل المذاكرة بعد الفجر، وأريد القيام قبل الفجر، وفي نهار رمضان عليّ الذهاب إلى الثانوية، فأرجوكم ساعدوني، فأنا أشعر بحسرة شديدة، ولا أدري ما الذي يرضي الله أكثر: فإن كان التركيز على المذاكرة، فعلت، وإن كان التفرغ للعبادة، فعلت. دعواتكم لي بالتوفيق -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتحسّرك على فوات شيء من الطاعات، أمارة على صدق إيمانك.

والذي يمكننا أن نوصيك به هو أن تجتهدي في الجمع بين الدراسة التي لا بد لك منها، وتتضررين بتركها، أو التقصير فيها، وبين الاجتهاد في الطاعة في هذا الشهر المبارك.

ويمكن مثلًا أن تجمعي بين القيام وبين الدراسة بعد الفجر، والذهاب للمدرسة؛ وذلك بأن تنامي مبكرًا، وتستيقظين قبل الفجر بساعة، أو أقل، وتصلّين ما كتب الله لك، ثم تدرسين بعد الصلاة، وما عجزت عنه بسبب الدراسة، لعل الله تعالى أن يكتب لك أجره.

وقد دلّ الشرع على أن العبد إذا انقطع عن الطاعة التي كان يداوم عليها لعذر، فإن الله تعالى يكتب له أجرها؛ ففي الحديث: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. وفي الصحيحين من حديث أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في غَزَاةٍ، فقال: إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، ما سَلَكْنَا شِعْبًا ولا وَادِيًا، إلا وَهُمْ مَعَنَا فيه، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ النِّيَّةِ فِي الْخَيْرِ، وَأَنَّ مَنْ نَوَى الْغَزْوَ، وَغَيْرَهَ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَعَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ، حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ، وَتَمَنَّى كَوْنَهُ مَعَ الْغُزَاةِ وَنَحْوِهُمْ، كَثُرَ ثَوَابُهُ. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ يَبْلُغُ بِنِيَّتِهِ أَجْرَ الْعَامِل، إِذا مَنعه الْعذر عَن الْعَمَل. اهـ.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني