الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج من يسيطر على فكره أنه سيدخل النار مهما أتى من طاعات

السؤال

هل اعتقاد الشخص أنه سيدخل النار، وأن مكانه هو النار، وأنه مهما فعل من طاعات، فمكانه هو النار، يجعل مصير هذا الشخص النار فعلا؟
يعني هل هذا يدخل ضمن إساءة الظن بالله؟
أنا دائما أعتقد أنني سأدخل النار، واعتقادي ليس بسبب ذنوب فعلتها، بل هو فقط مجرد تفكير مسيطر علي، ولا أعلم سببه، وهو أن مكاني ليس الجنة، ولا أستطيع تخيل نفسي في الجنة، ولا أستطيع تخيل مثلا أن الملائكة ستقول لي: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، أو أنهم سيقبضون روحي، ويمرون بها في السماء، وتكون رائحتها طيبة، وما شابه. لا أتخيل نفسي هكذا، لا أستطيع، أشعر أنني لا أستحق هذا مثلا، وأن الجنة لا تليق بي، كل التفكير المسيطر علي هو أنني في النار، وسأعذب في القبر، هل هذا التفكير قد يكون له علاقة بمصيري الحقيقي فعلا؟
وهل أكون مذنبا إذا قمت بفعل طاعات كثيرة، وأديت الفروض الدينية، وهذا التفكير مسيطر عليَّ للأبد؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمؤمن يجتهد في طاعة ربه، ويحسن الظن به تعالى، ويخاف مع ذلك ذنوبه؛ عالما أن ربه تعالى حكم عدل، لا يظلم الناس شيئا، فعليك أن تزيل عن قلبك هذا الشعور المصيطر، فإن اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله؛ من كبائر الذنوب، فأحسن ظنك بالله تعالى، واجعل خوفك ورجاءك متوازيين؛ فإنك بدونهما تتعثر في طريق سيرك إلى ربك تعالى.

فإذا أحسنت؛ فاحمد الله، وسله من فضله، وارج بره وإحسانه، وإذا أسأت؛ فاستغفر الله، واخش عاقبة ذنبك، وتوكل على الله، وفوض أمرك إليه، واعلم أنه أرحم بعبده من الأم بولدها، واعلم أن اليأس من رحمة الله الذي هو كفر هو اعتقاد الشخص أن الله لا يقدر على أن يرحمه، وهذا غير حاصل منك بحمد الله.

قال الألوسي في تفسيره: واستدلت الحنفية بالآية على أن الأمن من مكر الله تعالى، وهو -كما في جميع الجوامع- الاسترسال في المعاصي اتكالا على عفو الله تعالى كفر، ومثله اليأس من رحمة الله تعالى؛ لقوله تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: 87] وذهبت الشافعية إلى أنهما من الكبائر لتصريح ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- بذلك. وروى ابن أبي حاتم، والبزار عن ابن عباس أنه -صلّى الله عليه وسلّم- سئل ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله تعالى، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وهذا أكبر الكبائر. قالوا: وما ورد من أن ذلك كفر محمول على التغليظ، وآية لا ييأس إلخ كقوله تعالى: الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ [النور: 3]، ولا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ الله [المجادلة: 22] في قوله. وقال بعض المحققين: إن كان في الأمن اعتقاد أن الله تعالى لا يقدر على الانتقام منه وكذا إذا كان في اليأس اعتقاد عدم القدرة على الرحمة والإحسان أو نحو ذلك، فذلك مما لا ريب في أنه كفر، وإن خلا عن نحو هذا الاعتقاد، ولم يكن فيه تهاون، وعدم مبالاة بالله تعالى؛ فذلك كبيرة، وهو كالمحاكمة بين القولين. انتهى

وإذا علمت هذا، فعليك أن تتخلص من هذا الشعور، فإنه إذا غلب عليك كان كبيرة من كبائر الإثم، وتخلصك منه يكون بمعرفة سعة رحمة الله تعالى، وأنها وسعت كل شيء وأن رحمته تعالى قريب من المحسنين، وبإدمان مطالعة نصوص الرجاء، وأدلة عظيم فضل الله ورحمته بعباده، وإذا عدلت خوفك من النار، وخشيتك من الله تعالى إلى الخوف الصحي المحمود الذي يحمل على إتيان الواجبات، وترك المحرمات؛ كان لذلك أثر إيجابي على مصيرك في الآخرة بإذن الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني