الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يستوي المؤمن بالدين الحق والمؤمن بالدين الباطل

السؤال

كيف أتأكد عن يقين تام أن الإسلام هو الدين الصحيح؟
لا أريد أن أكون مسلما؛ لأنني وجدت نفسي مسلما.
وبصراحة صُدمت عندما لاحظت أن جميع أصحاب الديانات الأخرى عندهم نفس اليقين تجاه دينهم، بنفس الدرجة التي عندنا تجاه الإسلام. وقد كنت أظن أن المسلمين متفردون بهذا اليقين.
فبدأت أسأل نفسي: إذا كانوا هم على خطأ، وفي نفس الوقت عندهم يقين تام أنهم على صواب. فلماذا لا نكون نحن مثلهم؟ ما الذي يجعلني متأكدا أن يقيني هذا صحيح، وليس مثل يقين المسيحي بديانته مثلا؟
لا أريد أن أكون على الديانة الخطأ.
أيضا هذه الأفكار جعلتني أقول لنفسي: إن معظم أصحاب الديانات الأخرى ليسوا كفارا عن عمد وعناد وتكبر، بل هم فقط يعتقدون أن هذا هو الطريق الصحيح، ويخافون أيضا لو قاموا بتغيير ديانتهم أن يغضب الله عليهم، مثلنا بالضبط. فما ذنبهم وهم يحاولون إرضاء الله فقط؟
لا أعتقد أن أحدا سيعلم أنه سيدخل النار، ويترك نفسه مستمرا على الطريق الخطأ، والديانة الخطأ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصحيح أن كثيرا ممن يدينون بالباطل يحسبون أنهم على حق وصواب، كما يدل عليه قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104]، وقوله سبحانه: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف: 30]، وقوله عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 36، 37].

قال السعدي في تفسيره: {وَمَنْ يَعْشُ} أي: يعرض ويصد {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده. فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب. ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا.

{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له. وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا، وهذا.

فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر الله، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم. اهـ.
ومع ذلك، فلا نسلم بأن اليقين والطمأنينة وانشراح الصدر لصحة الديانة عند المسلم وغيره سواء! فلا يستوي أبدا: المؤمن بالدين الحق، مع المؤمن بالباطل المصدق له العامل به، فلكلٍّ حاله التي تليق بدينه وعقيدته، وراجع في ذلك الفتويين: 363379، 363379.
وعلى أية حال، فالحق لا يعرف بتصديق الناس وقبولهم له، أو يقينهم فيه، وإنما يعرف بالدلائل والبراهين والحجج والبينات.

فمن يتشكك في الحق، ولا يجد في نفسه اليقين، فليبحث وليجتهد في هذا الباب، وليقارن الإسلام بغيره، في عقائده وأصوله وأخلاقه، وليقارن بين القرآن وغيره من كتب الملل الأخرى، فعندها سيعلم أين الحق وأين الضلال، وراجع للفائدة، الفتاوى: 200191، 54711، 48913.

ويمكنك الاستفادة من كتاب: (كامل الصورة – لتعزيز اليقين وتثبيت الثوابت).

وأما ما جاء في آخر السؤال، فجوابه: أن من لم يسمع بالإسلام أصلا فهو من أهل الفترة، ولهم حكم خاص. وانظر الفتوى: 195365.

ومن سمع به ولم يؤمن، فهم أصناف وأنواع، ولكل نوع حكمه من حيث قيام الحجة عليه، والنجاة في الآخرة، فليسوا سواءً.

وقد سبق لنا بيان ذلك، في الفتاوى: 158921، 298303، 156611.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني