الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة والذكر من أعظم وسائل تفريج الهموم وصلاح الأسرة

السؤال

تزوجنا عن حب، وأنجبنا طفلة، ولكن مع الحياة اليومية والمسئوليات، اكتشفت أن زوجي غير مسئول، عنده لا مبالاة، أحب ما على قلبه أن يبقى في المقهى، ومعه الشيشة. وأي مسئوليات؛ كطلبات، واحتياجات المنزل، أو الإيجار، أو، أو.. تشغل بالي، وتفكيري أنا فقط.
عمله حاليا لا يجلب المال، وقد أصبح علينا الكثير من الديون، وابنتي في سن دخول المدرسة، لا أدري من أين سيأتي بالمال لها، وكل هذا أثَّر في نفسيتي تجاهه، أنا لا أكرهه، ولكن أكره تصرفاته، وبالتالي أتعب طوال اليوم مع ابنتي، وفي شغل المنزل، والتفكير في الأعباء المادية، وأبسطها ثمن الأكل، ويأتي هو بعد كل هذا بمجرد ما أحاول أن أنام، يأتي ويريدني، وكنت أستجيب لأنه زوجي وحبيبي، ولكن آخر مرة لم أشعر بأيِّ شيء، وكأني قد أصبت بالبرود، أو التجمد، ومن بعد ذلك اليوم لا أستطيع القرب منه.
كما أني أختنق من رائحة ملابسه، وجلده بعد أن يجلس كل يوم مدة ساعتين، أو أكثر في المقهى، وتحدثنا كثيرا، لكن دون جدوى، ولا حتى أن يهتم بخلع ملابسه، وغسل جسده بعد هذا حتى أتقبله. أصبحت لا أتقبل العلاقة معه، لكني أريده، وأحبه.
أنا لا أهل لديَّ، فقد كنت أعيش وحيدة في دار للأيتام، مع التفكك الأسري، وهو والدته متوفاة، ووالده متزوج، وأسرتهم مفككة، ولا أدري ماذا أفعل؟ لا أريد أن أتحمل ذنوبا، ولا أريد أن أهدم منزلي، ولكن لا أدري ماذا أفعل؟
وأقسم بربي تعبت من كثرة الحديث معه، ومحاولات التغيير، أو حتى السعي على عمل جديد؛ لدرجة أني اتفقت له قبل ذلك، ولم يذهب. لم أر فيه كل هذا قبل الزواج، بالعكس كان دائما بجانبي، يدعمني ماديا ونفسيا، لا أدري ماذا حدث، وأنا كما أنا من بعد الزواج، مجرد أن أعبائي زادت، ومسئولياتي أصبحت أثقل وأخطر. أريد أن أربي طفلتي على أكمل وجه، ولا أقصر في حقها أبدا.
أنا نفسيا محطمة، لا أشعر بالأمان، ولا الاحتواء، ولا السكينة، فأنا لا أغمض عيني فترة مناسبة يرتاح فيها جسدي وعقلي. أنا ألتزم أياما بالصلاة، وأيام أخرى يسيطر على عقلي الشيطان.
أنا أعلم جيدا بأن الله بيده كل شيء، وهو فقط القادر على تغيير حياتي، ولا ينبغي أن أقطع الصلاة أبدا، وأيضا من أجل طفلتي، أريد أن تجري الصلاة في دمها، كنت أتمنى لو أن أحدا زرع في قلبي حب الصلاة من صغري.
أعتذر عن الإطالة، ولكن لا أحد يفيدني غيركم. جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويصلح لك زوجك، ونوصيك بكثرة الدعاء، والتضرع إلى الله سبحانه، فالأمر كله بيديه، والخير عنده وإليه، وهو القائل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وراجعي الفتوى: 119608، وهي عن آداب الدعاء.

ولعل من المناسب أن نبدأ بالكلام بما ختمت به من أمر الصلاة، والتي هي عماد الدين، والصلة بين العبد وربه، والسبيل للفلاح في الدنيا والآخرة، وفي التفريط فيها خسران الدنيا والآخرة، وانظري الفتوى: 47422.

فالواجب عليك التوبة إلى الله، والمحافظة على الصلاة، وما أحوجك لذلك وأنت تبتغين أن يصلح الله ولدك، ومن أعظم سبل ذلك صلاح الوالد، قال تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {النساء:9}.

وقال محمد بن سيرين -وهو من أئمة التابعين- يخاطب ابنه: أي بني، إني أطيل في الصلاة رجاء أن أحفظ فيك، وتلا قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحا". اهـ.

ونوصيك بالصبر، فعاقبته خير، وفضائله كثيرة كما سبق وأن بينا في الفتوى: 18103.

وعليك أيضا بالإكثار من ذكر الله تعالى ليكون هذا الذكر عونا لك على تخفيف الهم، والغم، والضغوط النفسية، قال الله سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

وابذلي لزوجك النصح بالحسنى، وذكريه بما جاء في النصوص من الترغيب في العمل، والسعي في كسب العيش، والترهيب من البطالة، والتفريط فيما يجب عليه من النفقة على الأهل، ويمكنك الاستفادة من الفتويين التاليتين: 58722، 20845.

وإن لم ينفعه نصحك، فاستعيني عليه ببعض الفضلاء من الناس، والمقربين إليه، وممن يرجى أن يسمع لقوله.

وننبه إلى أنه لا حرج على المرأة في الامتناع عن إجابة زوجها إلى الفراش إن كانت بزوجها رائحة تتأذى منها حتى يزيلها، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 403324.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني