السؤال
قرأت رأيا لبعض أهل العلم، يقول فيه: إن الهدية للأقربين، أفضل من الصدقة على الأبعدين.
واستدل على ذلك بحديث ميمونة -رضي الله عنها- أنَّها سألتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ خادِمًا فأعطاها، فأعتقَتها، فقالَ: أما إنَّكِ لَو أعطيتِها أخوالَكِ، كانَ أعظَمَ لأجرِكِ.
فهل هذا حكم صحيح ويمكن تعميمه؟ وبذلك تكون الهدية للقريب غير المحتاج، أفضل من الصدقة على البعيد المحتاج؟
وكيف يكون ذلك، مع أن الإسلام يحث على الصدقة أكثر من الهدية؟! فكيف يستقيم ذلك.
تحياتي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر لنا -والله أعلم- أنّ الحديث المذكور؛ لا يدل على تفضيل الهدية للقريب، على الصدقة على البعيد مطلقا.
ولكنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال؛ فتكون هبة القريب أفضل من الصدقة على البعيد، إذا كان القريب محتاجا لتلك الهبة، فيستوي القريب والبعيد في الحاجة، فتصير هبة القريب صدقة وصلة، فتكون أفضل من الصدقة وحدها.
فقد ذكر أهل العلم في شرح الحديث، أنّ أخوال ميمونة -رضي الله عنها- كانوا بحاجة إلى خادم.
قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: وإنما كان إعطاؤها أخوالها أعظم لأجرها؛ لأن أخوالها كانوا محتاجين إلى خادم، فلو أعطتها أخوالها كان صدقة وصلة رحم، والإعتاق شيء واحد، وهو الصدقة، ولا شك أن خيرين أفضل من خير واحد. انتهى.
وقال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: .... لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا؛ لاحتمال أن يكون المسكين محتاجا، ونفعه بذلك متعديا، والآخر بالعكس. وقد وقع في رواية النسائي المذكورة، فقال: أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم. فبين الوجه في الأولوية المذكورة، وهو احتياج قرابتها إلى من يخدمها، وليس في الحديث أيضا حجة على أن صلة الرحم أفضل من العتق؛ لأنها واقعة عين، والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، كما قررته. انتهى.
وقد يقتضي الحال تقديم البعيد على القريب وإن اشتركا في الحاجة؛ إذا كان البعيد أشدّ حاجة من القريب.
قال المناوي -رحمه الله-: الصَّدَقَة على الْمِسْكِين الْأَجْنَبِيّ صَدَقَة فَقَط، وهِيَ على ذِي الرَّحِم اثْنَتَانِ، أَي صدقتان اثْنَتَانِ: صَدَقَة وصلَة، فَهِيَ عَلَيْهِ أفضل، لَكِن هَذَا غالبي، وَقد يقتضى الْحَال الْعَكْس. انتهى.
والله أعلم.