الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أكل الصائم للدواء، ودخول غبار الطريق لحلقه

السؤال

هذا ملخص حوار دار بيني وبين أبي، الذي له إلمام ببعض العلوم الشرعية.
منذ بداية رمضان، أصيب أبي مرتين بنزلة برد، تناول على إثرها قرصين ضد الحمى في نهار رمضان. ولم يتناول أي شي آخر، حتى إنه ابتلع القرصين من دون ماء، وأكمل صيامه.
أخبرته أن لا يشق على نفسه، وأن يتناول شيئا من طعام أو ماء، بما أنه سوف يقضي هذين اليومين على كل حال بعد رمضان. ففاجأني بقوله إنه لن يقضي شيئا؛ لأنه لم يفطر! قلت له: ولكنك تناولت قرصين من الدواء في نهار رمضان، فرد علي بأن هذا دواء وليس طعاما، وأن الصيام هو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وأن الدواء ليس شهوة بطن، وأنه ليس بطعام يستفيد منه الجسم؛ لأنه لا يحتوي على أي فيتامينات أو أملاح، مضيفا أن خافض الحرارة الذي تناوله هو مادة كيميائية.
قلت له: ولكن ما أعرفه أن أي شيء دخل معدة الصائم عن طريق الحنجرة، فهو مفطر له، فرد بقوله إن غبار الطريق لا يفطر الصائم ولو تعمد فتح فمه، ونفس الشيء بالنسبة للدخان. وبعد أن أصبح النقاش ساخنا، قال لي: لا ينبغي أن نتشدد فيشدد لله علينا، كما فعل مع اليهود، وأنه -سبحانه- كان واضحا في كتابه وسنة نبيه، أن الصائم عليه أن يبتعد عن الأكل والشرب والجماع حتى لا يفسد صومه.
فما رأيكم في هذا القول وكيف أرد عليه؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن تناول هذا الدواء يعد أكلا لغة وشرعا، فوالدك بفعله هذا، قد أكل بغير شك، فيجب عليه القضاء.

والعلماء متفقون على أن ما دخل الجوف عن طريق الفم، فإنه يوجب القضاء، وعدوا ما خالف هذا القول شذوذا، لا يلتفت إليه. جاء في الروض المربع، مع حاشيته لابن قاسم -رحمه الله-: من أكل أو شرب صحيحًا مقيمًا، عامدًا، ذاكرًا لصومه، فسد صومه، بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

قال الشيخ وغيره: فعقل منه أن المراد الصيام من الأكل والشرب، فإنه -تعالى- أباحه إلى غاية، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل، وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. وكان معقولاً عندهم أن الصيام هو الإمساك عنهما، وفي الحديث: «يدع طعامه وشرابه من أجلي» وحكى الشيخ، والوزير، والموفق، وغير واحد الإجماع على ذلك.

ولا فرق بين القليل والكثير، ولا بين المعذور وغيره، والأكل: إيصال جامد إلى الجوف من الفم، ولو بغير مضغ، ولو لم يتناول عادة.

والشرب: إيصال مائع إلى الجوف من الفم، ولو وجورًا.

وأما أكل ما لا يتغذى به، فيحصل به الفطر، قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، إلا ما روي عن الحسن بن صالح أنه يأكل البرد، ويقول: ليس بطعام، ولا شراب. ودلالة الكتاب والسنة على العموم، فلا يلتفت إلى خلافه. انتهى.

وأما غبار الطريق فليس من هذا في شيء، فإن العلماء اتفقوا على العفو عنه؛ لمشقة الاحتراز منه، وكذا ما في معناه مما يشق التحرز منه كنخالة الدقيق وغيرها، وكذا الدخان، فإن وصوله إلى الحلق من غير قصد لا يضر. وأما من تعمد ابتلاعه فإنه يفسد صومه، كما قرره الفقهاء.

قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمُ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ، كَ (إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ) أَوْ نَخْلٌ نَحْوُ دَقِيقٍ كَاكْتِيَالِهِ حَبًّا فَدَخَلَ الْغُبَارُ حَلْقَهُ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ الدُّخَانَ قَصْدًا فَسَدَ صَوْمُهُ. انتهى.

فعلى أبيك أن يتقي الله -تعالى- ويرجع عن هذا القول المنكر، ويقضي ذينك اليومين.

والواجب عليك أن تطلعه على فتوانا هذه، وبذا تكون قد أبرأت ذمتك، وفعلت ما يلزمك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني