الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النهي عن الغيرة المذمومة

السؤال

أنا متزوج منذ 18 سنة، وعندي مشكلة منذ بداية زواجي، وهي تؤرقني، وتعكر صفو حياتي. ولديَّ ولدان. مشكلتي لم تظهر في وقت خطوبتي، إنما ظهرت مع بداية زواجي. أنا رجل لا أدري بماذا أصنف نفسي، أنا أغار على بيتي غيرة شديدة، بمعنى لا أحب أن ينظر أحد إلى زوجتي، ولمَّا أكون في المنزل أحب أن أغلق الستائر، حتى لا تنكشف عورة منزلي.
كنت أُتَّهَم من زوجتي بأني شكاك، وأحتاج إلى طبيب نفسي، ولما أخرج مع زوجتي وأولادي للتسوق ألاحظ نظرات زوجتي اللافتة لأي أحد من المارة -مثلا-، وهذا الموقف يحرجني كثيرا، ويخرجني عن شعوري، وتكلمت معها أكثر من مرة في الدين، وأنني أتضايق، ويؤثر على نفسيتي في المنزل والعمل، وما يمر وقت بسيط إلا ويحدث نفس الشيء، ولا أستطيع أن أتجاوز هذا الفعل على أعصابي؛ لدرجة أني فكرت في الانفصال؛ لكي أرتاح من تأنيب ضميري القاتل، على الرغم من أن أخا زوجتي يقول إنني رجل في منزلي بمعنى الكلمة في كل الأمور الحياتية، وأيضا كانت عندما نخرج للتسوق أكون أنا في المقدمة، وهي خلفي، لماذا لا تمشي بجانبي؟
وحدثت مشاجرة بيننا، وتدخل أخوها، وقال لها ألصقي بزوجك، وكوني بجانبه لراحته، ولا زال الأمر على ما أنا عليه من معاناة.
أرجو من مقامكم الكريم التمعن في رسالتي، ولا أريد ردا دبلوماسيا هدفه لَمّ شمل الأسرة المسلمة.
أريد تحليلا لهذا الوضع، والحل. وجزاكم عنا كل خير الجزاء.
معلومة أخيرة: أنا لم أمسك أيَّ دليل على زوجتي في رسائل الهاتف -مثلا، أو أي سلوك خاطئ، أوعلاقة غريبة-. فقط هذه مشلكتي التي ذكرتها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فغيرتك على زوجتك؛ أمر محمود ومطلوب شرعا، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: المؤمن يغار، والله أشد غيرا. وقال -صلى الله عليه وسلم-: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني. رواه البخاري.

فحرصك على عدم اطلاع أحد على زوجتك في البيت، وإنكارك عليها تعمد النظر إلى الرجال الأجانب -إن كانت تفعل ذلك- فهو من الغيرة المحمودة.

أمّا إذا كنت تبالغ في الغيرة، فتسيء الظنّ بزوجتك من غير ريبة؛ فهذه غيرة مذمومة، لا يحبها الله، ففي سنن أبي داود عن جابر بن عتيك، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله: فأما التي يحبها الله -عز وجل-؛ فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها؛ فالغيرة في غير ريبة......"

جاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره: قوله: فالغيرة في الريبة أي يكون في مواضع التهم والشك والتردد، بحيث يمكن اتهامها فيه، كما لو كانت زوجته، أو أمته تدخل على أجنبي، أو يدخل أجنبي عليها، ويجري بينهما مزاح وانبساط. وأما إذا لم يكن كذلك؛ فهو من ظن السوء الذي نهينا عنه. انتهى.

وفي غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: (ولا تكثر الإنكار) عليها، فإنك تقوي العين عليها، فإن فعلت (تُرْمَ) زوجتك بسبب كثرة إنكارك عليها (بتهمة) في نفسها، فيقول الفساق وأهل الفجور: لولا أنه يعلم منها المكروه، لما أكثر من إنكاره عليها. انتهى.

وفيه أيضا: والمحمود من الغيرة صون المرأة عن اختلاطها بالرجال. انتهى.

فاحرص على الاعتدال في الغيرة، وحافظ على زوجتك من غير أن تسيء الظن بها، أو تبالغ في التضييق عليها دون مسوّغ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني