الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القول الصحيح في نزول الله في كل ليلة إلى السماء الدنيا

السؤال

من المعلوم أن الله -عز وجل- يتنزل كل ليلة في ثلث الليل الآخِر.
لكني سمعت من أحد المشايخ الأفاضل، أنه في رمضان خاصة يتنزل -سبحانه وتعالى- في ثلثي الليل الأخيرين.
وقد ذكر أن الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله. فهل من الممكن أن توردوا لي لفظ الحديث؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل من سمعته يقول ذلك، يقصد الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة، قال: ثنا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوزان ثنا عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُمْهِلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأول، وهبط إِلَى السَّمَاءِ، ثُمّ قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تائب يتاب عليه. قال الشيخ الألباني في كتابه "ظلال الجنة في تخريج السنة" تحت رقم: 513: إسناده صحيح. اهــ.
والحديث ظاهره أن الله -تعالى- يهبط إلى سماء الدنيا في رمضان حين يمضي ثلث الليل الأول، لكن لم نجد من أهل العلم من نص على أن ذلك خاص برمضان دون غيره من سائر شهور العام.

وقد وردت نصوص أخرى مطلقة غير مقيد برمضان، تدل على أنه -تعالى- ينزل حين يمضي ثلث الليل الأول، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي كذلك، وقال بعده: قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عنه أنه قال: ينزل الله -عز وجل- حين يبقى ثلث الليل الآخر، وهو أصح الروايات. انتهى.

وجاءت نصوص أخرى تشير إلى أنه -تعالى- ينزل نصف الليل.

منها ما جاء كذلك في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله -تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي الرواية الثانية: حين يمضي ثلث الليل الأول، وفي رواية: إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه.

قال القاضي عياض: الصحيح رواية: حين يبقي ثلث الليل الآخر، كذا قاله شيوخ الحديث، وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه.

قال: ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول. وقوله: من يدعوني، بعد الثلث الأخير.

هذا كلام القاضي.

قلت: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به، ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به. وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعا، وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول، فقط فأخبر به مع أبي هريرة، كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة، وهذا ظاهر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني