الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من ظلم الزوجة أخذ مالها وعدم النفقة عليها وشتمها وإهانتها

السؤال

أنا متزوجة منذ أربع سنوات من رجل يبعد عن مدينتي تسع ساعات.
وعند خطبتي أتى والداه، وبعد الزواج ذهبت معهم، وقبل وصولنا منزلهم ظلّت أمّ زوجي تبكي لساعات في الحافلة، وزوجي لم يخبرني عن السبب، وعند سؤاله بعد المعيشة معهم، اكتشفت أنها لا تريد لابنها الزواج، وكانت تختلق المشاكل بيني وبين زوجي، فعندما كان يطلب مني زوجي غسل ملابسه، كانت تمنعني أمّه، فيضربني زوجي، وأخبره أن أمّه لا تتركني أغسل ملابسه، فيقول لي: هذا شأنك، لا يهمّني، حتى لو رفضت أمّي، قومي بغسلها.
أمّه تختلق لي المشاكل، وبعد ولادة ابنتي الأولى، ضربتني، وشتمتني، وطردتني أنا وابنتي وأمّي التي أتت لزيارتي.
وبعد عام ونصف رفعت طلبًا للمحكمة لنفقة ابنتي، وطلب زوجي الرجوع، وطلبت سكنًا مستقلًّا عن طريق المحكمة، فقام بكراء بيت أمام أهله -بيت مشترك مع جيران تحت درج- في حي غير محترم، بينما هو يشتغل في مدينة أخرى، ويأتي مرتين في الأسبوع، ولكنه يسكن عند أمّه، ويعذبني بالإهانات والشتم، وحملت بابنتي الثانية، وبدأت المشاكل، وطردني، وأخذتني أمّي لبيتنا، واستمر في دعوة الشقاق، وأرسل مفوضًا لبيتنا ليبلغني بدعوة الشقاق، فوكّلت محاميًا، ولم أستطع السفر بسبب حملي؛ ليقوم المحامي بتأجيل الدعوة بسبب حملي، وعندما وضعت ابنتي الثانية، سافرت إلى المحكمة.
وزوجي مهندس بناء، وأخبر القاضي أنه ليس لديه دخل، وأتى بورقة تثبت دخله البسيط، بينما هو يريد حرمان بناتي من نفقتهنّ، والعيش بحياة كريمة.
زوجي لم يقدرني، وكان يظلمني، ولا ينفق عليّ، وطوال فترة زواجنا وأنا أقيم عند أمّي، وعندما يساعدني أهلي عند الولادة بمبالغ مالية يضربني، ويريد أخذ ذلك المال، فهل أنا ظالمة أم مظلومة؟ وهل طلاق مكتوب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي، فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.

وبناء عليه؛ فالذي نستطيع إفادتك به هو أنه إن كان الحال ما ذكرت من كون زوجك لا ينفق عليك، وأنه يؤذيك بالضرب، ويريد أخذ مالك، ويقوم بشتمك وإهانتك، فلا شك في كونك مظلومة.

وهذه التصرفات منه تتنافى مع ما هو مأمور به من حسن عشرتك، وأداء حقوقك، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، وراجعي الفتويين التاليتين: 134877، 113285.

والمحكمة هي المكان المناسب للفصل في المنازعات -كما قدمنا-.

وليس من حق زوجك أن يدّعي الفقر والإعسار؛ ليسقط عنه النفقة.

وإن كان لديك ما يثبت غناه وقدرته على الإنفاق، فيمكن تقديمه للقاضي.

وننبه إلى أنه لا يجوز لأمّ الزوج التدخّل بين ابنها وزوجته، على وجه يؤدي إلى إفساد العلاقة بينهما، بل ينبغي الحرص على أن تكون هذه العلاقة على الخير؛ فالمصاهرة من النعم التي امتنّ الله بها على عباده، فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}.

ومما يدل على استحباب إكرام الأصهار ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخلاق حميدة تجاه أصهاره، ومن ذلك أنه لما تزوج جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها؛ إكرامًا لها، ومنها كذلك وصيته -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان إلى أهل مصر، بقوله: إنكم ستفتحون مصر... فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمّة ورحمًا، أو قال: ذمّة وصهرًا. رواه مسلم.

ولم نفهم ما تعنينه بقولك في نهاية السؤال بقولك: (وهل طلاق مكتوب)، فإن قصدت بذلك: هل يشترط في الطلاق كونه مكتوبًا؟

فالجواب هو: أن ذلك ليس بلازم، فإذا تلفّظ الزوج بالطلاق، وقع الطلاق، ولو لم يكتب، ولكن توثيقه أفضل، وأقطع لأسباب النزاع.

وإن قصدت به معنى آخر، فيمكنكِ بيانه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني