الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل في الشفاعة تعقيب وتبديل لحكم الله بعد أن قضي؟

السؤال

الشفاعة ثابتة في الكتاب والسنة، إلا أن الله يقول: "والله يحكم لا معقب لحكمه"، وقال: "ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد"، أوليس في الشفاعة تعقيب وتبديل لحكم الله بعد أن قضي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس في الشفاعة الثابتة ما يتعارض مع ذلك؛ لأن هذه الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله ورضاه، كما قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال سبحانه: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه:109]، وقال عز وجل: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، وقال تبارك وتعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:23].

فالشفاعة لا تكون على خلاف حكم الله، وإنما هو إجراء لهذا الحكم -برحمة المشفوع له-، مع إظهار كرامة الشافع عند الله تعالى؛ فهذه الشفاعة الثابتة.

وأما ما خالفها، فلا يقع، وقد نفاه القرآن، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ [البقرة:254]، قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل: {وَلا شَفاعَةٌ} أي: ليس في يوم القيامة شفاعة، إلّا بإذن الله، فهو في الحقيقة رحمة من الله للمشفوع فيه، ‌وكرامة ‌للشافع، ليس فيها تحكّم على الله، وعلى هذا يحمل ما ورد من نفي الشفاعة في القرآن، أعني أن لا تقع إلّا بإذن الله؛ فلا تعارض بينه وبين إثباتها. اهـ.

وقال ابن القيم في الفوائد: أرباب الحوائج على باب الملك يسألون قضاء حوائجهم، وأولياؤه المحبون له الذين هو همّهم ومرادهم جلساؤه وخواصه، فإذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك، أذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه؛ رحمةً له، ‌وكرامة ‌للشافع. اهـ.

وقال ابن عاشور في «التحرير والتنوير»: فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته؛ فصار الإذن بالشفاعة وقبولها عنوانًا على كرامة الشافع عند الله تعالى. اهـ.

وقال الشيخ حسين أسد في تحقيق «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» عند حديث الشفاعة: ليس في الشفاعة تراجع عن إرادة أرادها الله تعالى لأجل الشافع، وإنما هي إظهار ‌لكرامة ‌الشافع بتنفيذ الإرادة الأزلية عقيب دعاء الشافع. اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى: 195047، وراجع في أدلة منكري الشافعة وتهافتها الفتاوى: 47303، 48242، 61360.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني