الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منكر الشفاعة.. رؤية شرعية

السؤال

هل منكر الشفاعة كافر، وهل ذلك بالإجماع أم أن ذلك أمر مختلف فيه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي انعقد عليه الإجماع هو أن من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة يكون كافراً، كما قال ابن عبد البر في التمهيد 1/142و 4/266 , وكذلك من أنكر حرفا من كتاب الله أو متواتراً من السنة إنكار جحود وهو يعتقد ثبوته فإنه يكفر بالإجماع، كما قال الغزالي في فيصل التفرقة ص 144 وذكره شيخ الإسلام في المجموع 12/497 حيث يقول عن الواجبات المتواترة والمحرمات المتواترة: والجاحد لها كافر بالاتفاق.

كما أنه يحكم بالكفر إجماعاً على من أنكر دلالة النص إذا كانت قطعية ومما علم من الدين بالضرورة. ذكر ذلك الشافعي في الرسالة ص 357، والنووي في شرحه على صحيح مسلم 1/205 وغيرهما كابن دقيق العيد والقرافي...

وأما من أنكر خبر الآحاد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اختلف فيه، والصحيح كفره إن اعتقد ثبوته ولم يكن متأولاً، قال إسحاق بن راهويه: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر. وقال السيوطي: من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه كفر وخرج عن دائرة الإسلام. والمقصود بالإنكار الذي يكفر صاحبه به هو إنكار الجحود والاستكبار لا إنكار التأويل كما قال القاضي عياض في كتابه الشفا 2/73.

والأدلة الواردة في شأن الشفاعة بلغت حد التواتر لفظاً ومعنى كما قال عياض والسيوطي وغيرهم، قال الإسفراييني: وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بلغت مبلغ التواتر وانعقد عليها إجماع أهل الحق من السلف الصالح قبل ظهور المبتدعة. وقال صاحب الروضة الندية: وكل من أنكر الشفاعة أو الرؤية... أو الحساب فهو الزنديق. 2/287، وقد بينا في الفتوى رقم: 47303، والفتوى رقم: 53224 الأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على ثبوت الشفاعة والرد على من أنكر ذلك.

مع العلم بأن الشفاعة منها ما هو متفق عليه -حتى عند المبتدعة ولم ينازعوا فيه- وهو الشفاعة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم للفصل بين الخلائق في عرصات القيامة، قال الإسفراييني: وهذه الشفاعة العظمى مجمع عليها لم ينكرها أحد ممن يقول بالحشر.

والذي خالف فيه المبتدعة من الخوارج والزيدية ومن سار في فلكهم إنما هو شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، قال الإسفراييني: الشفاعة التي ينكرها المعتزلة هي في من استحق النار من المؤمنين أن لا يدخلها، ومن دخلها منهم أن يخرج منها، فنفتها المبتدعة مع ثبوت أدلتها وتضافر حججها مما يتعسر إحصاؤه ويتعذر استقصاؤه.

ولكن مع ذلك لا يجوز الحكم بالكفر على منكر للشفاعة بعينه لأن تكفير المعين قبل إقامة الحجة عليه وإعذاره لا يجوز، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتُبيَّن له المحجة. ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.

إذاً فلا بد للحكم بالكفر من توفر شروطه وأسبابه وانتفاء موانعه ليصح الحكم به، فالمسألة جد خطيرة. وقد بينا ضوابط التكفير، ومتى يحكم به، وخطورة التسرع فيه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 721، 14489، 4132 فنرجو مراجعتها والاطلاع عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني