الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تتحقق صلة الرحم بترك الإساءة دون الزيارة؟ وهل الإساءة لهم من قطيعة الرحم؟

السؤال

من لا يغتاب أقاربه، ولا يسيء لهم، فهل يعد واصلًا لأرحامه، وإن كان لا يزورهم؟ ومن يصل أقاربه، ويغتابهم، فهل يعد قاطعًا لهم؟ أرجو الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا في الفتوى: 269998 ما تتحقق به صلة الرحم الواجبة، وبيَّنا فيها أن للعرف دورًا في تقدير الواجب من صلة الرحم.

ومجرد ترك الغيبة، أو ترك الإساءة؛ هذا وحده لا تتحقق به صلة الرحم في العرف؛ فالناس لا يَعُدُّون من قطع زيارتهم، وترك السؤال عنهم واصلًا للرحم -وإن كان لا يغتابهم، ولا يسيء إليهم-، بل قطع الزيارة، وترك السؤال في العرف، من الإساءة؛ لأنه هجر.

ومن وصل رحمه بالزيارة، والسؤال عنهم، ونحو ذلك، مما يعتبر صلة، ولكنه يغتابهم؛ فقد جمع بين الإحسان والإساءة، وهو آثم للغيبة، ومأجور على الصلة، فيثاب لطاعته، ويأثم لمعصيته، ولا يقال: إنه قاطع للصلة بإطلاق، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:7-8}.

وقد اختلف الفقهاء فيما تكون به القطيعة، فقال بعضهم: بالإساءة، وقال بعضهم: بترك الإحسان، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الْمُرَادُ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مَاذَا؟

فِيهِ اخْتِلَافٌ: فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِالْإِسَاءَةِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ، نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَالصِّلَةُ إيصَالُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ؛ لِمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا، وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ. اهــ.

وعلى هذا؛ فمن هجر رحمه، فترك زيارتهم، ولم يسأل عنهم؛ فقد أساء إليهم، وهو قاطع للرحم -وإن كان تاركًا لغيبتهم-.

ومن أحسن إلى رحمه بالزيارة، ومّد يد العون، ولكنه يغتابهم؛ فقد جمع بين إحسان وإساءة، وبين صلة وقطيعة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني